ندوة فكرية نظمها "مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية" و"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" تحت عنوان "6 سنوات في مسار الثورة التونسية: الأولويات والتحديات".
وفي بداية مداخلته، عبّر الدكتور عزمي بشارة عن اعتزازه بوجوده في تونس في هذه الذكرى التي وصفها بـ"الهامة في زمن عربي قلّت فيه لحظات السعادة، خصوصا في المشرق العربي".
وعرّج بشارة على بعض العوامل التي شكّلت أسباباً موضوعية لنجاح التجربة التونسية، من بينها "رسوخ مؤسسات الدولة التونسية، ووعي المجتمع التونسي بفكرة الدولة والمؤسسات، على عكس ما حدث في مصر وسورية وليبيا مثلا"، فضلا عن "اتساع حجم النخبة ومستوى التعليم واتساع الطبقة الوسطى، بالإضافة إلى التجانس المجتمعي الواسع، وهي كلها عوامل أدت إلى قبول فكرة التعددية تحت سقف الدولة".
واعتبر بشارة أن "نضج النخبة السياسية التونسية وقدرتها على التوافق في فترة الأزمات كان توافقاً براغماتياً، شكّل عاملاً مهماً في نجاح التجربة التونسية"، مؤكداً أنه "يمكن أن تشكل رسالة تنويرية للعالم العربي لإنقاذ التجربة عموماً، والتأكيد على أن التوافق أفضل من خيار سفك الدماء".
وأضاف أن "التجربة التونسية بصدد تحقيق نجاحات"، منبهاً إلى أهمية "عدم التغافل عن مصدر ومولّد الثورة التونسية، أي الحركات الاحتجاجية، التي خرجت من الجهات تطالب بتحقيق حقوق اقتصادية واجتماعية".
وقال إن "الحديث عن التجربة التونسية وقراءتها يمكن أن يتم من زوايا متعددة وبمعايير مختلفة"، ولكنه اختار أن يقارن بين نجاحها وفشل مثيلاتها في المشرق العربي، ويفسّر ذلك بـ"حجم وشكل تدخل النخب في كل هذه المناطق"، مقارناً إياه بما حدث تاريخياً في مسارات بعض الدول عبر لحظات زمنية وأطوار تاريخية مختلفة.
واعتبر أن "الثورات لا تنتج الحرية بالضرورة، وتستوجب مساراً تاريخياً طويلاً، في حين يطلب العالم من المنطقة العربية اليوم أن تحدث هذه التغييرات العميقة في ظرف زمني وجيز"، مشدداً على "الدور الجوهري للنخب في إحداث هذه التغييرات وتأطيرها لقيادة عملية الانتقال الديمقراطي ووضع أسسها من دستور ومؤسسات ضامنة للانتقال الديمقراطي، يجري التدرب عليها بعد ذلك، وتأخذ مجراها التاريخي، وهو ما حدث بالفعل في بعض التجارب تاريخياً، حيث آمنت النخب الليبرالية بضرورة إحداث هذا التحول التاريخي وقادته ووضعت أسسه".
وذكر بشارة أن "الشعوب قامت بدورها وأطلقت الاحتجاجات وقدمت تضحياتها، والدور موكول بعد ذلك إلى النخب"، متسائلا: "لكن ماذا إذا كانت النخب خالية من ثقافة ديمقراطية، وغير قادرة على القفز فوق حساباتها الأيديولوجية والسياسية والنقابية، وإدراك أن اللحظة الوطنية هي الأهم، مثلما حدث في مصر؟".
وشدد، في السياق ذاته، على أن "النظام الانقلابي الحالي في مصر عاجز عن حل أي من المشكلات التي طرحها المصريون"، مذكٰراً بأن "تاريخ 25 يناير هو عيد الشرطة، وخرج فيه المصريون للاحتجاج ضد التعذيب وضد التوريث ومن أجل مطالب اقتصادية واجتماعية".
وقال إن "ما يحدث في المشرق العربي اليوم يحيل إلى السؤال حول الثورة والإصلاح"، معتبراً أن "بعض الأنظمة فوّتت عليها فرصة القيام بإصلاحات في التعامل مع احتجاجات الشعوب، بدل محاولة كسرها والإجهاز عليها، لأن هناك أنظمة غير قابلة للإصلاح أصلا، لأنها لا تقوم على منطق القوة فقط، وإنما على منطق القوة المطلقة، وهي أنظمة شمولية لا تستند إلى أي نوع من الشرعية، وتعتقد أنها إذا أرخت قبضتها ولو جزئياً ستسقط".
وأكد المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن "الإصلاح في المغرب العربي لا يزال مفتوحاً، والنموذج التونسي ينبغي أن يبذل مجهوداً أكبر لتقديمه للمنطقة العربية على أساس أنه مثال حي وموجود يمكن الاقتداء به، في مقابل الترهيب بالنموذج العراقي الذي ترفعه بعض الأنظمة لوأد مطالب شعوبها".