أجرى التلفزيون العربي مساء الثلاثاء التاسع من شباط/فبراير مقابلةً مع المفكر العربي عزمي بشارة، تناولت تداعيات وصول بايدن إلى البيت الأبيض على الملفات الكبرى للمنطقة، إضافة لقضايا السلطوية والشعبوية والديمقراطية في المنطقة العربية.
ماذا يعني رحيل ترامب؟
في الإجابة عن سؤال ماذا يعني رحيل الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، اعتبر عزمي بشارة أن رحيله كان أمرًا يجب أن يحصل، لأنه اتجه بخطابه وسلوكه السياسي نحو تقويض المواطنة الأمريكية، بالتعامل مع الأمريكيين من منطلق الإثنية لا المواطنة، من خلال خطابه الشعبوي القائم على مخاطبة غرائز الجماهير ضد المركز واشنطن وضد المؤسسات والنخب، وطرح مسألة الهوية من منطلق التودد للهوية البيضاء التي تمثل عنده الهوية الحقيقية، وتمثل أصالة الشعب الذي يعتبر نفسه الناطق باسمه.
كل هذه العوامل دفعت بشارة إلى القول بأن ترامب لو فاز بفترة رئاسية ثانية فسيدفع الولايات المتحدة نحو أزمة خطيرة على الديمقراطية، ولذلك فإن من أولى أولويات بايدن العمل على توطيد الأمة الأمريكية على أساس المواطنة ومواجهة النزعة الانتقامية لدى بعض الفئات الداعمة لترامب.
كما اعتبر المفكر العربي، في سياق حديثه عن هزيمة ترامب أن أهم شيء في مغادرته البيت الأبيض هو أنه غادر بواسطة الديمقراطية، أما عن أهم العوامل التي تفسر خسارته فقد اعتبر بشارة أن على رأسها المؤسسات الأمريكية، الصحافة، الطبقة الوسطى، البيروقراطية، عطفًا على الدور الذي لعبته الأقليات.
وعن واقعة الكابيتول ومهاجمة الكونغرس بواسطة جحافل الجماهير الداعمة للرئيس الجمهوري، فقد اعتبر صاحب "في المسألة العربية" أن هذه الظاهرة على خطورتها تعد مؤشرًا حاسمًا على رسوخ الديمقراطية الأمريكية، فقد استنفرت الشعب وجميع المؤسسات ضدّها، وأدت في نهاية المطاف لانتصار المؤسسات على الشخص، كما أنها انتهت دون سقوط ضحايا في صفوف المقتحمين.
وعن تأثير ذلك كله على الحزب الجمهوري اعتبر بشارة أن الحزب يعيش في أزمة عميقة سببها الرئيسي تسامحه مع ترامب خوفا من قواعده الشعبية.
تأثير وصول بايدن على ملفات المنطقة
في الإجابة عن سؤال تأثير وصول بايدن على ملفات المنطقة العربية، رد عزمي بشارة بالقول إنه لا يوجد منطق واحد يتحكم في ذلك الأمر، وإن كان يوجد فهو يتمثل في عودة المؤسسية، أي العودة إلى السياسات الأمريكية التقليدية وأساليب العمل الدبلوماسي، وتوقع عزمي بشارة أن يكون ثمة تغيير جوهري في تعامل الإدارة الأميركية مع بعض الملفات، على غرار الملف اليمني الذي سيشهد انخراطًا أمريكيًا أكبر لناحية وضع نهاية للحرب المأساوية، من خلال إطلاق عملية سياسية للوصول إلى حل سياسي، وكان قرار بايدن وقف كافة أشكال الدعم العسكري للحرب في اليمن خطوة أساسية في هذا الاتجاه. واعتبر بشارة في هذا الصدد أن نتائج الحوار الوطني السابق في اليمن تمثل أهم شيء يمكن التوصل إليه، وتبقى الإرادة السياسية للأطراف المحلية والخارجية هي الفيصل في إنفاذ تلك النتائج أو أي تسوية سياسية قد تحدث.
بشأن الملف النووي الإيراني فهناك موقف أمريكي مزدوج يكاد يكون متناقضًا، فمن جهة يصرح وزير الخارجية بأنه إذا عادت إيران إلى الالتزام بالاتفاق النووي سترفع الولايات المتحدة العقوبات، وعلى صعيد آخر تتحدث بعض أوساط إدارة بايدن عن اتفاق جديد مع الحلفاء الأوروبيين يشمل قضية الصواريخ ودور إيران في المنطقة. يفسر بشارة هذا التناقض من خلال عدة عناصر؛ أولًا أنه قد يكون بمثابة تأجيل إلى أن يأتي المحافظون إلى الحكم، أو نوعًا من الضغط على طهران بأسلوب العصا والجزرة. أو قد يكون الأمر نتيجة خلاف في الإدارة الأمريكية بين المجموعة التي صنعت الاتفاق وطرف ثان يتمثل في وزير الخارجية الحالي ومستشار الأمن القومي.
ليبيًا يرى المفكر العربي أن إدارة بايدن تتوجه نحو انخراط أكبر في الملف الليبي لناحية دعم العمل الدبلوماسي ودعم العملية السياسية، بعدما تخلت واشنطن تقريبًا عن الموضوع الليبي لصالح الأوروبيين بعد التدخل العسكري لإسقاط القذافي.
فلسطينيًا، يعتبر بشارة أنه لن يكون هنالك تغيير جذري في السياسات العملية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، وأن إدارة بايدن لن تبذل جهدًا في الذهاب نحو تحقيق دولة فلسطينية الآن في ظل وجود نتنياهو، والتغير الطفيف أن إدارة بايدن ستكون أكثر نقدية تجاه الاستيطان، لكن في المجمل لن تعيد عجلة ما قام به ترامب إلى الوراء.
بالنسبة لاهتمام بايدن بالتطبيع فإن بشارة يعتبر أنه لن يراجع ولن يمانع ذلك، بل العكس تمامًا فلا أحد في الولايات المتحدة يعتقد أن القضية الفلسطينية تمثل جوهر الصراع العربي الإٍسرائيلي، هذا فضلًا عن وجود لوبي صهيوني قوي في إدارة بايدن وفي الحزب الديمقراطي.
فيما يخص ملف المصالحة الخليجية اعتبر بشارة أن القرار كان قرارًا سعوديًا انطلقت فيه السعودية من منطلق أن إدارة بايدن مختلفة تمامًا عن إدارة ترامب، ولذلك أرادوا أن يظهر قرار المصالحة كقرار سيادي داخلي وليس بضغط خارجي، وذلك في محاولة لترتيب الوضع الإقليمي. أما بشأن السؤال حول أسس المحافظة على المصالحة، فقال بشارة إنه يميل إلى الاعتقاد بأنها تعتمد على تغيير السياسات، لكنه يتساءل عن ما هي الضمانات التي تضمن عدم تكرار ما حصل، معتبرًا أن مجلس التعاون الخليجي لا يمثل ضمانة لعدم تكرار ما حصل، مستنتجًا أن الأمر يتوقف على موقف وحكمة الزعماء في الخليج.
تحديات النظام الديمقراطي في تونس
استبق بشاره حديثه حول التطورات الأخيرة في تونس بالإشارة إلى أن هذه التجربة تمثل من منظور العلوم السياسية قصة نجاح فريدة في محيط غير مساعد إطلاقًا، في إشارة منه إلى نجاح الثورة المضادة في مصر وحالة الحرب الأهلية في ليبيا، كما اعتبر بشارة في سياق كلامه أن المرحلة الانتقالية في تونس انتهت وأننا اليوم أمام نظام ديمقراطي في خطر، فالانتقال كانتقال نجح بعد إجراء الانتخابات لمرتين وتداول الحكم بشكل سلس، معتبرًا أنه لو أقيمت المحكمة الدستورية لحلت الكثير من المشاكل الدستورية الحالية خاصة بالنسبة لصراع السلطات الثلاث: رئاسة الجكومة ورئاسة الجمهورية والبرلمان.
وحدد بشارة ثلاث مشاكل رئيسية تواجه النظام الديمقراطي حاليًا في تونس وهي: المشكل الاقتصادي، عدم تطبيق الدستور كاملًا، ثم النظام الانتخابي الذي أُعدّ للمجلس التأسيسي واستمر إلى اليوم دون تغيير. ونبه بشارة إلى خطورة النزعات الشعبوية على التجربة الديمقراطية في تونس التي تحاول استضعاف البرلمان وتحويله إلى ساحة احتجاجات واعتصامات، خاصة منها تلك التي تستغل النظام الديمقراطي للتحدث عن إسقاط النظام الديمقراطي، ومهاجمة البرلمان، والتشكيك بالنخب والأحزاب.
وعن الحل لهذه المعضلات تحدث بشارة عن ضرورة الاتفاق بأسرع وقت بين القوى السياسية الفاعلة على المحكمة الدستورية وتغيير النظام الانتخابي إضافة لاتخاذ الرئاسة موقفًا مساندًا، وعدم الانزلاق لصراع المؤسسات. كما أكد ضرورة اعتبار الشعبوية خطرًا على الديمقراطية، والتوجه لحل مشاكل المجتمع ومعالجة قضايا الناس الحياتية.
كما اعتبر المدير العام للمركز العربي للأبحاث في هذا السياق، أن الشعوب العربية حسمت أمرها ولم تعد تقبل بالسلطوية والدكتاتورية، وأصبحت مسألة الكرامة مسألة جوهرية للشارع العربي.
وختم بشارة حديثه حول أزمة المصالحة الفلسطينية، واعتبر أن الانتخابات في هذه الحالة نوع من الهروب للأمام، إذا لم ننظر لعمق القضية، وهي المشروع الوطني واستراتيجية المقاومة والنضال، معتبرًا أن مشاريع النضال والمقاومة والتحرر هي التي تجلب المناصرة والمساندة والمؤازرة الدولية والشعبية.