تنطلق الطروحات حول النهضة المعاقة من الواقع العربي "الصغير" إذا صح التعبير، في الداخل، ومنه تتوسع باستمرار، وتوسع مجال الرؤية. حقل الملاحظات بالعين المجردة وحقل التجربة هو هذا الحقل، أي حقل المجتمع العربي في داخل والتقاطعات مع المجتمعات العربية كما تبدو من هذه الزاوية. إلا أن المجتمع العربي بشكل عام هو الهم الذي يقود إليه النص ويفتح حوله الأسئلة. وهو لا يغيب عن ذهن الباحث ولا القارىء على طول الأطروحات وعرضها. لذلك فإن الانطلاقة اللحظية المباشرة لا تلبث أن تأخذ المتأمل إلى قضايا المجتمع والحداثة بشكل عام، أي نظرياً، ومنها قضايا العلم والأخلاق والفردية وغيرها... ذلك لأن القضايا التي اخترنا أن نبدأ عينية وملموسة لكنها ليست فريدة أو استثنائية بالكامل، فالمجتمعات العربية تعيش حالات شبيهة وقضايا متقاربة. وتأملات الكاتب نظرية، لكنها تبحث عن تقاطعات بين هموم ومعضلات النظرية وبين الهم العربي في الممارسة.
ينطلق عزمي بشارة في أطروحات هذا الكتاب من الواقع الاجتماعي الملموس باتجاه النهضة والتنوير والعقلانية والتحديث والديمقراطية كما ينطلق في معالجة موضوع النهضة المعوّقة من الواقع العربي الصغير ثم يتوسع لينفتح على قضايا المجتمع العربي وقضايا المجتمع والحداثة بشكل عام كقضايا العلم والأخلاق والفردية وغيرها. وهو يهدف قبل كل شيء إلى فتح الأفق ورسم معالم الطريق الذي يقود إلى النهضة.
وبحسب المؤلف فإن عوائق انطلاق هذه النهضة اجتماعية ناشئة تاريخياً وأن عرضها نقدياً هو مساهمة في تحديها ومواجهتها. ويرفض الكاتب النظر إلى التاريخ باعتباره وحدة متناسقة ذات بداية ورواية جامعة وتقسيمه إلى عصر ذهبي وعصور انحطاط، لأن ذلك يؤدي إلى إسباغ وجهة نظر قومية على تاريخ غير قومي، كما أن التعبير الديمقراطي عن الأمة هو التعبير الأقرب عن إرادتها، في حين أن التعبير عن الفرد كمواطن في الأمة وليس كعضو في العشيرة أو القبيلة أو الطائفة هو التعبير الأفضل عنه، ولحماية الفكرة القومية ووقايته من التجاء كل عيوب المجتمع العربي يدعو الكاتب إلى دمقرطة هذه الفكرة، إذ من السهل أن يحتمي التخلف بالقومية باعتباره أصالة يجب الحفاظ عليها ضد علمية التثاقف واستيراد الأفكار