علي حيدر
بدا التعب واضحاً على قسمات وجه الدكتور عزمي بشارة، وهو يتحدث عن شؤون وشجون فلسطينيي 48 في المواجهة اليومية التي يخوضونها ضد الممارسات العنصرية للسلطات الإسرائيلية بحقهم. لكن التعب، الذي تبدّى على السحنة السمراء، ليس من نوع الوهن، إنه حق الدهر و«القهر» اللذين يلاحقان الرجل منذ نشأته: الأول يسابقه في مسيرته النضالية الطويلة فيخلف لديه أنفاساً لاهثة وراء المزيد من العطاء، والثاني يقاصصه لاختياره الدرب الذي اختاره لحياته، فيؤلّب عليه الخصوم والأعداء. لا يمكن إنكار حقيقة أن لقاء مفكر عربي قادم من قلب المعاناة في فلسطين ليحدّثك عن الواقع السياسي فيه غنى كبير للفكر. إلا أن الحدث يفرض نفسه على اللقاء، والحدث هو العدوان على لبنان. هو محطة تاريخية مفصلية في حركة الواقع السياسي في لبنان والمنطقة، وهذا ما يتفق معه عزمي بشارة.
قرار الحرب
البداية كانت من تبلور قرار الحرب لدى القيادة الإسرائيلية، فرأى بشارة في الضربات الإسرائيلية خلال اليومين الأولين ردة فعل انتقامية على العملية النوعية التي نفذتها المقاومة الإسلامية وأسرت خلالها جنديين، قبل أن يتطور القرار السياسي، بفعل عوامل عديدة أهمها التدخل الأميركي، نحو شن حرب واسعة وشاملة تستهدف استئصال حزب الله.
ويمكن، من خلال ما تقدم به بشارة، تفسير القفزة المفاجئة في طبيعة الضربات وحجمها، بعد اليومين الأولين، عند استهداف مبنى الأمانة العامة والأبنية التي افترضت إسرائيل وجود قيادات حزب الله فيها. إذ لو كان قرار الحرب متّخذاً لتم استهدافها منذ البداية كون الحرب الاستئصالية تفترض أن تكون الضربات الأولى مفاجئة وشاملة واجتثاثية.
الداخل الإسرائيلي
أما في ما يتعلق بالوضع الداخلي الإسرائيلي، الذي ساهم في الدفع نحو شن هذه الحرب، فقد أرجعه بشارة إلى أن القيادة السياسية في إسرائيل، ممثّلة برئيس الحكومة ايهود اولمرت ووزير دفاعه عمير بيرتس، تفتقد إلى الثقل السياسي الذي عرف في قيادات سابقة، وتعيش حالة من الشعور الذاتي بالضعف وعدم الخبرة الأمنية، الأمر الذي جعلها قابلة للرضوخ لضغوط العسكر والخارج.
وفي هذا السياق، وجدت هذه القيادة نفسها أمام كماشة من الضغوط من جبهتين: الأولى، من قبل المؤسسة العسكرية، وعلى رأسها رئيس الأركان دان حالوتس، التي كانت تدفع بقوة لاعتماد الخيار العسكري الاستئصالي بهدف إزالة تهديد حزب الله وقوته الصاروخية. والثانية الضغط الأميركي بشن الحرب.
ويتابع بشارة «من هنا بدأت الحرب واستمرت بقرار أميركي وتنفيذ إسرائيلي. كما ان الذي أغرى القيادة السياسية الإسرائيلية بإمكانية تحقيق الأهداف المنشودة هي قيادة الجيش التي اعتقدت، بناء على معطيات تبين أنها خاطئة ومُضلّلة، على أن اليوم الذي سيلي الحرب سيختلف جذرياً عما قبلها وسيُمكِّن الإدارة الأميركية من توجيه مسار الأحداث الداخلية بالاتجاه المرسوم. لذلك فالصورة الأقرب عما حصل تظهر التقاطع بين المؤسسة العسكرية والإدارة الأميركية، اللتين استطاعتا جذب القيادة السياسية الإسرائيلية الجديدة، التي تبنّت هذا التوجه فكانت الحرب.
ولاحظ بشارة أن من أبرز الظواهر الجديدة، التي واكبت هذه الحرب، أنها المرة الاولى التي تُشن فيها حرب إسرائيلية على بلد عربي بغطاء عربي (جزء من العرب). وتوقف عند هذا التطور، بالمقارنة مع حالات سابقة، عندما حرصت الولايات المتحدة على إبقاء إسرائيل جانباً، خلال عدوانها على العراق كي لا تُحرج الأنظمة العربية.
ولعل في توقف بشارة ومقارنته بتجارب سابقة، الكثير من الأبعاد والتساؤلات حول مواقف عربية أكثر «جرأة»، قد يفاجئنا بها بعض العرب في المراحل المقبلة من هذا الصراع الذي تمثل هذه الحرب محطة مفصلية في سياقه.
من فوق إلى تحت
ورداً على سؤال حول مدى تأثير الرأي العام الاسرائيلي في بلورة القرار السياسي الحكومي بخصوص هذه الحرب تحديداً وتفسيره لتقلباته، أشار بشارة إلى عملية صناعة الرأي العام الإسرائيلي، التي قد تتم في العديد من الحالات من الأعلى إلى الأسفل، وهذا الأمر تجلى بشكل واضح عندما تجندت وسائل الإعلام الاسرائيلية وكبار ضباط الجيش الاسرائيلي أمام شاشات التلفزة لتسويق الحرب على أنها حرب اللاخيار، وضخّ تقديرات ورهانات على أن الجيش الاسرائيلي قادر على إزالة هذا التهديد.
هذه الصورة، التي تم تسويقها عن الحرب والرهانات، التي تم إيهام الجمهور الإسرائيلي بها، تفسر لنا التأييد الشعبي الذي أظهرته استطلاعات الرأي العام، والتي بدا أنها واكبت الحرب رغم استمرار القصف الصاروخي للعمق الإسرائيلي حتى اليوم الأخير منه. لكن ما إن تبدّى الفشل حتى انقلب الرأي العام مباشرة، لأن تأييده كان مرتكزاً على أن ما يواجهه ليس سوى أيام صعبة محدودة لا تلبث أن تمر، ثم يعقبها شعور ثابت ومستقر بالأمن.
مخاض المنظومة السياسية
ووصف بشارة الوضع الداخلي الإسرائيلي بأنه يعيش مرحلة مخاض ما قبل الولادة؛ فحزب كديما تكوّن على خلفية مشروع التجميع في الضفة الغربية. إلا أنه بعد تطورات غزة (أسر الجندي جلعاد شاليط) واستمرار إطلاق الصواريخ باتجاه المستوطنات وفشل العدوان على لبنان، سقطت معها نظرية الانسحابات الأحادية وبشكل خاص خطة التجميع، ما جعل حزب «كديما» والحكومة بأجمعها مكشوفة وبلا برنامج سياسي، وعليه يمكن القول إن هذه الحكومة فقدت مبرر استمرارها من الناحية السياسية.
من هنا يمكن التقدير بأن الجمهور الاسرائيلي يشعر، بعد سلسلة الخطوات السياسية الفاشلة، بحالة من الفراغ تفرض بلورة واجتراح مشروع سياسي جديد يشكل محور استقطاب لهذا الجمهور ويمكِّنه من مواجهة التحديات.
المفاوضات مع سوريا في يد أميركا
رأى الدكتور عزمي بشارة أن الدعوات، التي برزت من شخصيات إسرائيلية بعد انتهاء العدوان على لبنان، إلى فتح قنوات تفاوض مع سوريا لا يمكن تحويلها إلى واقع.
وأشار بشارة إلى أن مفتاح هذه المفاوضات ليس بيد الإسرائيليين، بل هو موجود حصراً بيد الإدارة الأميركية، مشيراً إلى أن لا رئيس الوزراء إيهود أولمرت ولا غيره من القادة الإسرائيليين يملك حرية المبادرة والحركة في هذا الإطار بمعزل عن توجّهات وتوجيهات الإدارة.
الأخبار اللبنانية