حاورته: رشا عبدالله سلامة
لا يقتصر وزن السياسي العربي الفلسطيني عزمي بشارة على كونه مفكرا استثنائيا فحسب، بل يتعداه إلى كونه خاض وما يزال واحدة من أبرز المعارك ضد الكيان الإسرائيلي، من خلال موقعه كنائب عربي سابق في الكنيست، والمتمثلة في ترسيخ الهوية الوطنية الفلسطينية لفلسطينيي المناطق المحتلة عام 1948. إلى جانب مناداته بضرورة صهر الخلافات الفلسطينية والعربية في بوتقة الحل المشترك من منظور عربي قومي.
وفي هذا الجانب يرى أن ما يذاع حول المفاوضات السورية الإسرائيلية، صعب تخيله، كسلام منفرد، ويجب التنسيق بين سورية والمنظمة وباقي الأطراف العربية.
وعن حلم الدولة الواحدة، وحل الدولتين فقد اعتبره مستحيلا، وأن الشروط الأميركية والإسرائيلية، ترفض إعطاء الفلسطينيين القدس، والرجوع لحدود 1967 وتفكيك المستوطنات.
وفي غضون فترة تواجده في عمّان لإقامة ندوة في الجامعة الأردنية، أكد فيها على محورية قضية اللاجئين الفلسطينيين، كان لـ الغد معه هذا الحوار:
- تلوح في الأفق مفاوضات سرية بين الجانبين السوري والإسرائيلي، ومن المعروف تاريخيا أن إسرائيل لا تفاوض إلا جهة واحدة. هل برأيك أن هذه المفاوضات ستكون على حساب الجانب الفلسطيني لكونه الحلقة الأضعف؟ وهل تؤمن بأن القضية الفلسطينية ما تزال هي المحورية لدى العرب؟
* ما يميز مفاوضات الجانب السوري مع الإسرائيلي هي أنها غير سرية، بل معلنة من الطرفين. بيد أنها بعيدة عن التسليط الإعلامي. لذا فالمفاجأة من هذه المفاوضات لم تكن في محلها، إذ أعلن الرئيس السوري من قبل، قبوله بهذه المفاوضات، على أن تكون في بلد ثالث وغير مباشرة وغير سرية في الوقت ذاته، تماما كما أبدى أولمرت أيضا قبوله بهذه المفاوضات.
وهنا أنوه إلى ضرورة مراجعة ملف المفاوضات السوري الإسرائيلي، كما تجب الإشارة إلى أن إسرائيل أحجمت عن الوفاء بالانسحاب الكامل، مصرّة على الدخول في مواضيع تتجاوز العلاقات العادية إلى تفاصيل التطبيع، لذا، لا بد من تذكر ذلك حتى نكون حذرين عند التحدث عن هذه المفاوضات.
كما أن هذه المفاوضات لا تتحدث عن صلح منفرد، كذلك الذي أقدمت عليه مصر في كامب ديفيد، مخترقة جدار العداء العربي الإسرائيلي. وهنا أشير إلى أن أحدا لم يسأل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إن كانت ستنسق مع السوريين أم لا؟ بل عوضا عن التنسيق أرى المنظمة تتهم سورية.
وبرغم ذلك فمن الصعب عليّ تخيّل سلام سوري منفرد، ولكن بدلا من أن نتخيل فإن الحل لا يكمن إلا في التنسيق بين سورية والمنظمة وباقي الأطراف العربية، إذ إن أوسلو على سبيل المثال لم تكن إلا نتاج استفراد المنظمة بالقرار من غير تنسيق مع أحد من العرب، وسرا أيضا.
كما أن المنظمة هي من صممت على فك الوفد الفلسطيني- الأردني المفاوض، فكانت النتيجة سلام مع الأردن، بينما المفاوضات مع الفلسطينيين ما تزال قائمة حتى اليوم.
ويسوق هذا الحديث تساؤلا آخر للمنظمة، وهو: أليس من الأفضل عدم الرهان بكل الأوراق على أميركا (وهذه استراتيجية السلطة)؟ وأليس من الأفضل التنسيق بين العرب؟ ولماذا لا تتبع المنظمة سياسة سورية مثلا في التفاوض مع إسرائيل خارج الاستراتيجية الأميركية؟
- وماذا بالنسبة لآفاق الحل الفلسطيني من وجهة نظرك؟ هل ما تزال تؤمن بنظرية الدولة ثنائية القومية؟
* في الواقع فكرة الدولتين ليست في الأفق حاليا، كذلك فكرة الدولة الواحدة، إذ تبدو كلتاهما بعيدتين عن الواقع كثيرا.
وهنا أقول أننا أفنينا عمرنا لحلم الدولة الواحدة، وهو ما نتمناه جميعا، ولكن هل ذلك ممكن حاليا؟ وأيضا، بالنسبة لحل الدولتين فإنه يكاد يبدو مستحيلا بالشروط الأميركية والإسرائيلية، إذ لا تريد كل منهما إعطاء الفلسطينيين القدس، ولا الرجوع لحدود 1967 ولا تفكيك المستوطنات، بل هم يريدون دولة اسمية للشعب الفلسطيني بدل الحقوق، وليس دولة بحقوق.
وهنا تكمن الأزمة، فلا حماس ولا فتح ولا حتى إسرائيل باتت تطرح خيار الدولة الواحدة، وكذلك لا يمكن قبول حل الدولتين التي أرى أن الفلسطينية منها ستكون مسخا بحسب المعطيات المتوافرة.
وبالنسبة لتصوري، فإنه لا بد من توافر العناصر التالية كي تكون هناك دولة فلسطينية واعدة، وهي: وحدة فلسطينية واستراتيجية مشتركة بين أطياف الشعب الفلسطيني الواحد، كذلك عدم التفريط في الحقوق والتركيز على بناء مقومات أساسية للشعب الفلسطيني، تمكنه من الصمود أكثر بالنسبة للصحة والمجتمع والاقتصاد.
أيضا وهو الأهم: إعادة بناء منظمة التحرير من جديد، كي تحتضن الشعب الفلسطيني برمّته، وكي يكون لها وزنها في صنع القرار. وكذلك أدعو إلى إعادة الاعتبار لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وشمول كل اللاجئين تحت مظلة القضية وليس غزة والضفة فقط.
ومن دون كل ذلك، فإني أرى بأن مطالب الشعب الفلسطيني بالنسبة لغزة وحدها أو الضفة وحدها لن تعدو كونها طلب تحرير يد معتقل، بينما باقي جسده ما يزال في الأسر، فتجزئة القضية ليس في صالحنا أمام أنفسنا وأمام العالم، لأنه ما دام هناك 50% من الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، ففلسطين واقعيا لم تتحرر حينها.
لذا فنحن بحاجة لهذه الاستراتيجية الموحدة كي ننقذ أنفسنا من الوضع المتشرذم الذي نحن فيه، وليس لإقامة دولة فقط.
-وماذا عن وضع فلسطينيي المناطق المحتلة عام 1948 وأزمتهم السياسية والثقافية، وهم جزء من الشعب الفلسطيني، ولكن ضمن المظلة الإسرائيلية؟
* ثمة من ينتقل من تخوين فلسطينيي مناطق الـ 48، كما كان سائدا لفترة ما، إلى اعتبارهم أبطالاً، بيد أن صورتهم الواقعية هي أنهم جزء من الشعب الفلسطيني ممن يعيشون ظرفا خاصا، فدولة إسرائيل التي ينتمون لأطر مواطنتها، قامت على أنقاض أرضهم وشعبهم الفلسطيني، وهنا تكمن الأزمة، إذ تشوب مشاعرهم وحياتهم انتماءات متناقضة، فهم محسوبون على الإسرائيليين، بينما هم يعانون من احتلالها وما أفرزه هذا الاحتلال من لُبس في هوياتهم.
وهنا كان دورنا الذي أخال أننا حققنا من خلاله نجاحا ملموسا، إذ بلورنا الشعور الوطني الفلسطيني لهذه الفئة، مع التحذير المستمر لهم من أثر التناقضات الآنفة على تشويه هويتهم، وخصوصا مع عنصرية إسرائيل ضدهم، ومحاولتها تحويل مطالبهم بالمساواة إلى خيار اندماجي، أي من خلال أزمة المناهج الدراسية على سبيل المثال، وترسيخها مصطلحات لديهم كـ عرب الضفة، ومن خلال فصلهم بجدار عنصري عن باقي الفلسطينيين.
وتجلى نجاحنا في ذلك بالوعي الوطني الذي نضج كثيرا لفلسطينيي هذه الفئة، وهو ما ظهر في إحيائهم القوي هذا العام لذكرى النكبة، برغم مواطنتهم الإسرائيلية التي تقتضي عليهم الاحتفال بمرور ستين عاما على قيام إسرائيل.
وهنا أقول، أن معركتنا كنواب عرب في الكنيست لا تكمن في إطار المناداة بالمطالب الخدماتية لفلسطينيي الـ 48، بل في مناداتنا بضرورة المساواة كنوع من أنواع النضال، وهو ما أثار جنونهم، وخصوصا أن المعركة لم تنته بعد.
- وإلى أين وصلت قضية عزمي بشارة مع الكيان الإسرائيلي حاليا؟
القضية ما تزال مثارة، والملاحقة مستمرة حتى اليوم، إذ يمنعون مثلا شباب التجمع الوطني الديمقراطي من الاتصال بي، رغم أني لست مدانا ولا متهما، والدليل أن لائحة اتهام لم تصدر في حقي حتى اليوم.
ولكن، إن عدت حاليا فسأرتكب حماقة، إذ إنني سأسلم نفسي إليهم رغم عدم إدانتي، فهم يريدون كسب معركة ترسيخ الهوية الفلسطينية التي أخوضها بطريقتهم، أي من خلال ذرائع أمنية، فالمعركة سياسية والأدوات أمنية.
أما بالنسبة للإشاعات المثارة حولي بمساعدة صحف عربية تتناقلها عبر الترجمة عن العبرية من غير تدقيق، فأقول ما قلته آنفا وهو أنني غير متهم ولا مدان، وبأني ما أزال كما أنا، أناضل في الداخل والخارج، إذ إن معركتي مستمرة. كما أن التحدي الأكبر لأي حركة وطنية أو فصيل سياسي يكمن في الاستمرار وإن غاب الشخص الممسك بزمام القيادة.