1. بعد أن أيقن الإنسان في عزلته المنزلية أنه لا محالة خاسرٌ ربيع هذا العام، تساءل متى نعود إلى حياتنا الطبيعية؟ وما لبث أن فطن: وهل كانت حياتنا التي نتمنى العودة إليها طبيعية؟ ما الطبيعي في "حياتنا الطبيعية"؟
2. هل نعود إلى "حياتنا الطبيعية" مع عودة الحروب الأهلية في سورية واليمن وليبيا ونجوم الطوائف لتصدر الأخبار بدلا عن كورونا، كلما انقطعت أخبار الانتخابات الأميركية وما يصدر من تصريحات عن الخليط الترامبي من النرجسية المفاخِرة بذاتها (النرجسية المركبة) والجهل المتشدق بذم العارفين والسخرية منهم (الجهل المركب) والذي أصبح سمة قيادية في غير بلد من البرازيل حتى الفيليبين، أو أخبار تحالف البوتينية واليمين الشعبوي في الغرب والشرق، وتحالفه مع الأسد من جهة ونتنياهو من جهة أخرى، وآخر الممارسات العنصرية، وأخبار العنف السياسي العدمي ضد المدنيين المكنى إرهابا؟
3. لا عودة لحياة "طبيعية". والذاكرة الإنسانية تعجز عن استرجاع لحظتها الطبيعية، ولذلك نحاول تركيبها. ولكن لا بأس بتركيب ما نعتبره "طبيعيا" والنضال من أجله بوصفه طبيعيًا، مع أنه مصنوع مثل أي شيء آخر. فالصراع، لحسن الحظ، ليس بل بين مصالح فحسب، بل أيضا بين تصورات أخلاقية مختلفة لكيفية الحياة سوية تقوم عليها تصورات مختلفة للمصالح.
4. التوق الجماعي للعودة إلى "الحياة الطبيعية" حاليا هو في الحقيقة توق صحي إلى تجاوز حالة الاستثناء التي تعيشها البشرية جمعاء. لقد التقى الوباء مع العولمة، ولم تعد حالات الطوارئ محلية، مع أن الدول هي من يعلنها. ونشأت حالة استنفار عالمي، وتلازم معه شعور فردي بالخطر ذاته.
5. أيقظ هذا التلازم بين العالمي والفردي العلاقة المباشرة بين الإنسان وإنسانيته. وربما كان هذا الأمر الأكثر طبيعية الذي حصل لنا منذ زمن بعيد. إنه شعور الفرد بإنسانيته، وعجزه أمام الطبيعة في الوقت ذاته، وحالة اللايقين، والخوف من المجهول، والقلق على الأحبة، والاستبشار بسلامة بشر آخرين، وانتظار نتائج جهود بشر غيرهم، والرغبة في فعل شيء للمساعدة. هل يوجد ما هو أكثر طبيعية من هذا كله؟
6. الخوف واللايقين يقيد حرية الفعل تماما مثل الحتميات والضرورات. ثمة وباء نجهل كيفية التعامل معه، يتحكم بنا وبسلوكنا. وربما يحررنا البحث في البيولوجيا وعلوم الاوبئة والفيروسات لتسخيرها في اكتشاف علاج أو لقاح من الوباء. معرفة الحتميات الطبيعية قاعدة مهمة للحرية الإنسانية، فلا حرية في الطبيعة. ولكن قد يستعبدنا الاعتقاد اننا سيطرنا على الطبيعة من خارجها، والحماقات التي ترتكب بناء على هذا الاعتقاد .
7. يتخيل البعض الحالة الطبيعية جنة مفقودة، والبعض الآخر يصورها جهنما من الفوضى وحرب الكل ضد الكل. ويبني كل طرف رؤيته لما يجب ان يكون عليه المجتمع بناء على هذا التصور. ولكن الحالة الطبيعية محض خيال، فمنذ وجدت البشرية وجدت في حالة اجتماعية لغرض توفير الغذاء والأمن والمأوى. ومن المجدي النظر في طبيعتنا الإنسانية أكثر من النظر في "الحالة الطبيعية". وتتضمن طبيعتنا الإنسانية الخوف من المجهول، ويقود الصراع من أجل البقاء إلى محاولة التغلب على العجز أمام الطبيعة واللايقين، بالمعرفة وبالغيبيات. ومثلما تتضمن التباغض والحسد والشك واشتهاء ما للآخر والرغبة في تملكه، فإنها أيضا حالة حب وتضامن وتعلق بالآخرين ورغبة بتلقي الاعتراف منهم ورغبة الإنسان أن يكون محبوبا.
8. في العزل ننفرد بإنسانيتنا ومخاوفنا وتضامننا مع الآخرين. وعند كل تفاعل مع المؤثرات الخارجية تطل العصبيات والآراء المسبقة وسموم الغيرة والحسد والغرور والأنانية ومشاعر الانتقام برأسها لتتصارع مع المحبة والتعاطف وتفهم الآخر القائم على ملكة تقمصه، أي تخيل أنفسنا في مكانه في مواجهة مشكلاته ومعضلاته وخياراته.
9. لا يرتبط الخوف من الموت بغريزة حب الحياة فحسب، بل أيضا بمحبة الناس من حولنا والخوف من فقدانهم ومن الفقد عموما. الحب هو أرقى المشاعر الإنسانية وهو أساس الحياة التي تستحق أن تعاش.
خاطرتان عمليتان:
10. لا يمكن العودة إلى الحياة العادية في الاقتصاد من دون التمهيد لذلك من خلال: 1. توفير جميع أدوات الوقاية، 2. تكثيف الفحوص واكتشاف أكبر عدد ممكن من المصابين والتحقيق في شبكة علاقاتهم، لتحديد من لا يجوز أن يعود إلى الحياة العادية. لا أفهم كيف تريد بعض الدول العودة إلى حياة عادية من دون هاتين الخطوتين.
11. يحل التوصل إلى لقاح وعلاج الجزء الأكبر من المشكلة (مع أن أثر أي منهما لن يكون مطلقا) ولكن الإنتاج والتوزيع يحتاج إلى تعاون دولي منذ الآن.