أكد اكتشاف التعذيب في وزار الداخلية العراقية الجديدة بهذا الشكل الوحشي أن الصورة القائمة التي كانت في الأذهان حول سجن أبو غريب وغيره ليست تصويرا لإستثناء بل أن التعذيب هو القاعدة في سجون العراق الجديد.
ومنذ فترة ترد أخبار عن حالاتإختطاف واعتقال لمواطنين عراقيين تتم باستخدام سيارات تحمل أرقام وزارة الداخلية. وغالبا ما تنتهي هذه الحالات بالإغتيال وإلقاء الجثث في بغداد وغيرها، كما ترد أخبار عن إغتيالات واسعة النطاق تستهدف بعثيين سابقين في المناطق الجنوبية.
غياب القانون هو سمة الفوضى الأميركية الجديدة والسخرية التاريخية أنها تتم خلف شعارات الديمقراطية وإشغال الناس بأهمية الإنتخابات.
وانفضحت أساليب الحرب و"التطهير" الأمريكية الوحشية ضد التجمعات السكانية الحدودية غربي العراق وفي المناطق السنية. لقد وصل الأمر حد استخدام القنابل الفوسفورية! ولنذكر الآن لماذا رفضت الولايات المتحدة التوقيع على الإتفاقية الدولية لإقامة المحكمة الدولية لجرائم الحرب. فكم ضابط من ضباطها كان سيواجه تهمة جرائم حرب بعد عملية " الستار الفولاذي" وحدها؟!
كم يتقزم في أعين أبناء هذه المنطقة، وكم يستسخف الجهد الذي يبذله قاضي تحقيق ألماني تحت المتوسط بمقاييس أوروبية لكي يظهر كأنه رجل قانون وحق وقضاء و"يتقمز" تباهيا و"يتمرجل" بحزم على دول وشعوب المنطقة بإسم العدالة على خلفية حمام الدم الذي يقيمه مرسلوه في العراق دون حسيب ولا رقيب. لا شك أن الموطن العربي المتوسط بغض النظر عن ميوله السياسية لا يفهم مقاييس ومعايير الواقع الجديد.
فالديمقراطية تنشر بأساليب أكثر وحشية من أساليب الديكتاتورية. ووزارة الداخلية العراقية وسجونها، والسجون الأميركية السرية، الواقعة خارج القانون الدولي وخارج القانون الأميركي تطبق حاليا أكثر أساليب التعذيب بربرية في المنطقة بأسرها، بما فيها إسرائيل. وحقيقة أن هذه الجرائم تمر دون لجان تحقيق، وحقيقة أن سقوط الأطفال الفلسطينيين بالرصاص الإسرائيلي لم يعد يحظ بنشر وتعاطف إلا إذا تبرع أهلهم بأعضائهم لإنقاذ إسرائيليين، وحقيقة أن محكمة عسكرية إسرائيلية برأت قاتل إيمان الهمص بسبب تناقض إفادات الجنود، وليس بسبب براءته، لا تعني أن شعوب المنطقة لا تدرك أو على الاقل لا تحس بتلون ونفاق وكذب معايير العدالة الدولية في هذه الحرب التي تشن على المنطقة.
بل إن الكذب والنفاق واضح جلي ويلطخ كل الحملة الأميركية الصهيونية لضرب المجتمعات العربية وتقزيم الدول العربية وتفتيت الهوية العربية والتي تسمى حينا "الحرب على الإرهاب" وتسمى أحيانا أخرى الحرب من أجل الديمقراطية وتغيير الأنظمة. إنها حرب الفوضى الأميركية التي لا تريد أن تبقي نظاما سوى النظام الإسرائيلي ومن يستجديه من الأنظمة.