1. العناق حاجة إنسانية متعلقة ليس فقط بالتعبير عن العاطفة بل أيضا الحاجة لتلقّيها، الاحتضان ليس مجرد سيمياء رمزية بل هي منذ الطفولة إحدى تطابقات النفس مع الجسد المعدودة في حياة الإنسان، والتي لا يستغني عنها إلا بالاستغناء عن جزء من إنسانيته. أما المصافحة فمجرد تحية، وكانت يوما تعبيرا عن اتفاق أو مصادقة على عقد، وثمة إيماءات جسدية أخرى كثيرة للتحية، ولذلك قد تتراجع المصافحة بعد الأزمة، أما العناق فلا شك بعودته. لا أعتقد أن أحدا يشتاق لمصافحة أحد، ولكن كثيرون يفتقدون عناق الأهل والأصدقاء والأحبة، ويشعرون بالحرمان منها، وليس فقط عند تشييع قريب او صديق.
2. حلّت الدعوة للبقاء في المنزل و"خليك في البيت" محل السؤال عن الحال والصحة المتكرر مثل لازمة في التحية العربية التقليدية، وبما أنها لازمة وليست سؤالا حقيقيا فإنها لم تكن تنتظر جوابا في العادة. لكن "ما تطلع من البيت!" أي لا تخرج منه، أو "خليك في البيت!" تلح على السامع بقلق حقيقي.
3. لأول مرة في تاريخ البشرية يصبح البقاء في المنزل مسؤولية مجتمعية وإسهاما قائما بذاته في المصلحة العامة. كانت ملازمة المنزل دليل عطالة من كسل أو انطواء، أو دليل بطالة، فأصبحت فعل خير، وقمة العمل والإبداع البشري. وما ذلك إلا بعض من وقائع هذا الزمن الغريبة.
4. ربما يدوم بعض من ذلك بعد زوال الغمة لناحية العلاقة العائلية (الله أعلم)، ولكن بالنسبة لاكتشاف نجاعة العمل عن بعد وفوائده، فلا شك أنه سوف تقوم شركات بتطوير تقنياته أكثر مما نتخيل حاليا. لن يبقى هذا الأمر من دون أثر على المدارس والجامعات أيضا في غير زمن الأزمات.
5. تذكرك الدعوة للبقاء في البيت بكثيرين يتمنون تلبيتها لو كانت لديهم بيوت يأوون إليها. ثمة ملايين من البشر بلا بيوت.
6. يفترض أن تذكرك الدعوة للبقاء في البيت بأن البيوت تتفاوت ما بين القصور والأكواخ والشقق بشرفات والشقق المحرومة من الشرفات، وبين حجم عائلة وأخرى، وأنه ثمة فرق بين حشر العائلة في شقة من غرفة أو اثنتين وبين التجول في بيت مترامي الأطراف، يحافظ أفراده على خصوصياتهم على الرغم من إقامتهم سوية فيه إلى درجة أن يقسم المرء فيه بغربته (يحلف بغربته) بعد انتقاله من غرفه إلى غرفة. هل قال أحدهم أن الوباء يساوي بين الناس؟ ربما بيولوجيا فقط. وحتى في هذا الجانب تميز مستويات العلاج المقدمة وتصنع فرقا في فاعلية الفيروس. ما عدا في الحالات المتطرفة.
7. لا يساوي الوباء بين عامل أو صاحب متجر أو ورشة صغيرة انصاع للتعليمات وبقي في البيت، ويساوره قلق وجودي حول قدرته على إعالة أسرته في الشهر القادم، ومن يتمتع بأمان وظيفي لا يعرف حتى متى سيدوم، ومن يتابع أخبار البورصة والأسهم من بيته.
8. المشاهد من الهند التي تعد أكبر ديمقراطية في العالم لأن تعدد سكانها يتجاوز 1.3 مليار نسمة تذكرك أنها في الحقيقة ديمقراطية ل"نخبة" طبقية من 50 مليون ربما، وأنه في هذه الديمقراطية العجيبة ما زال بوسع الشرطي أن يركّع المواطنين جماعات في الشارع ويؤدبهم بالعصا (استخدام إبداعي لعصا لعبة الكريكيت) مثل التعامل مع القاصرين في أزمنة سابقة، أو كما كان المعلمون يؤدبون التلامذة في مدارس حدثك عنها شيوخ القرية.