تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

آفاق الوفاق

2007-11-14

لماذا يصعب حساب إمكانية الوفاق في لبنان؟ إذا كان الاتفاق في لبنان مرتبطاً بوفاق إقليمي، فهو غير قائم. وهنالك فرق بين وفاق إقليمي وبين سياسة مواجهة تتضمن الضغط على قوى سياسية لتحييدها قسراً أو بالتهديد، أي إجبارها على التخلّي عن تأثيرها بغرض تحسين صورتها. وهذا قتال تراجعي لا يحق مكاسب ولا يحسن صورة، فعملية إثارة الإعجاب عملية لا تنتهي. هذا ليس وفاقاً إقليمياً.
 

وإذا كان الوفاق في لبنان موضعياً منفصلًا عن التوتر وسياسات المواجهة الإقليمية فسوف يحتاج حتى موضعياً إلى تفاهم سياسي على مجموعة قضايا ونقاط، هي في النهاية ذات بُعد إقليمي. وأميركا تحاول إمّا أن تفرض شروطها أو أن تمنع تحقيق وفاق. وشروط أميركا ليست الحفاظ على "منجزاتها" في لبنان، بل لديها هدف واحد هو حزب الله.
 

وحتى إذا جرى مثل هذا الاتفاق فإنه من الصعب إيجاد المعادلة التي تمكن من التنبؤ بسلوك قوى وشخصيات سياسية. أقصد المعادلة التي تحكم سلوك السياسيين بين عوامل مثل الطموح الشخصي والانتماء الحزبي والالتزام لجماعة.
 

بين الإقليمي والمحلي، وبين الشخصي والجماعي يصعب إيجاد معادلة تمكّن من إجراء حساب.
 

ما هو أكيد لا يحتاج إلى تنبؤ وتوقّع من أي نوع هو أن 99% على الأقل من المواطنين اللبنانيين يؤيدون التوافق على الرئاسة وفي الحكومة، وهم يستغربون عدم استعداد القوى السياسية لدفع ثمنه مهما بلغت المصالح المنافية للوفاق والرافضة للتضحية بجزء منها. فبدونه يتعرض كل شيء إلى المجازفة.
 

أطروحات حول الديمقراطية
 

1. الديموقراطية نظام حكم، يحكم بموجبه ممثّلو الأغلبية

2. اللبرالية توجّه فكري وسياسي يرفع قيمة الحرية الفردية على رأس سلّم قيَمه ويعكس مرحلة تطور المواطن الحر كفرد وارتباط فرديته بالملكية الخاصة.

3.  اللبرالية الاقتصادية متفاوتة الدرجات، لكن في جوهرها توجه لتحرير قوانين السوق من تدخل الدولة وآليات القسر.

4.  اللبرالية السياسية منظومة حقوقية تضع الحريات المدنية للمواطن في أساس النظام

5.  الديموقراطية في بداياتها لم تكن لبرالية، فحكم الأغلبية، تمثيلياً كان أم غير تمثيلي، لم يكن لبرالياً.

6.  اللبرالية بشقّيها لم تكن ديموقراطية. الشق الاقتصادي عني بحق الملكية الخاصة للأقلية حتى وسط أغلبية لا تملك، والشق السياسي عني بحقوق سياسية لأقلية من الذكور المالكين الأحر

7.  التقى اليسار عموماً مع الديموقراطية في مصالح الأغلبية مغلّباً قيمة المساواة على قيمة الحرية، ومشكّكاً بمعنى الحرية في ظل الاستغلال. ولذلك أيضاً بحث اليسار عن نماذج ديموقراطية تقيّد الملكية الخاصة، واصطدم باللبرالية السياسية الني لم تنفصل بداية عن اللبرالية الاقتصادية.

8.  تطوّر الصراع بين الديموقراطية على أشكالها التي تمثل فعلًا أو تدعي تمثيل الأغلبية، أو تدعي تمثيل مصالح الأغلبية من جهة، واللبرالية من جهة أخرى، فأنتج حروباً وصراعات دموية متنوعة حتى منتصف القرن العشرين.

9.  أ. لقاء الديموقراطية واللبرالية، ألزم الديموقراطية، أي ألزم حكم الأغلبية بقيم لبرالية، وأصبحت هي ما نسمّيه القيَم الديموقراطية.

ب. كذلك عمّم الحقوق اللبرالية نظرياً على الأقل لتصبح الحقوق غير مقتصرة على فئة. أصبح بذلك مفهوم المواطنة شاملًا للأفراد كمنظم للعلاقة بين الفرد والدولة.

10.  مكّن هذا التعميم أيضاً من الفصل بين اللبرالية السياسية واللبرالية الاقتصادية، بحيث أصبح ممكناً تبني لبرالية سياسية وحقوقاً اجتماعية تقيد اللبرالية الاقتصادية.

11.  الديموقراطية اللبرالية هي نموذج الديموقراطية القائم في عصرنا.

12.  لم تعد الديموقراطية حكم الأغلبية فقط، بل أصبحت حكم الأغلبية بموجب القيَم الديموقراطية.

وهذا يعني أن الأغلبية يجب أن تلتزم بقيَم الديموقراطية لكي يكون حكمها ديموقراطياً، فلا تمثل أغلبية ديموقراطية فحسب.

13.  لم تتطلب اللبرالية في الماضي في دول المنشأ أن تؤمن الأغلبية بقيَم الديموقراطية، أي لم يكن مطلوباً أن تكون ثقافتها ديموقراطية. فالحقوق المدنية كانت مقتصرة على قلة، وكان حق الاقتراع من نصيب أقلية في المجتمع. ثم توسّع بالتدريج وتطوّرت معه بالتدريج الثقافة الديموقراطية.

-لا يعني هذا أنه يطلب من مجتمعات دول العالم الثالث التي لم تؤسس ديموقراطيات بعد ثقافة ديموقراطية معممة أكثر من تطلب الأمر في حالة الدول التي نشأت فيها الديموقراطية في مرحلة نشوئها؟

ـ نعم، وقد ينطبق على هذه الحالة ما سمّاه هيغل «خداع التاريخ».

ـ ماذا نفعل إذاً؟ إذا انتخبنا بالأغلبية قد تنتخب قوى لا تحترم القيم الديموقراطية. وإذا لم ننتخب تظلّ أوضاع استبداد لا تساعد في انتشار قيَم ديموقراطية، بل قد تسهم في انتشار عكسها.

ـ نضع البرامج وننظم القوى الديموقراطية ونناضل لتوسيع حقوق المواطنة وتصليبها الى درجة القيمة الاجتماعية والعرف المفروغ منه والذي تصطلح عليه كل القوى، ولا يسمح الناس لأية قوة منتخبة أن تتخلى عنه، لأنه يصبح لديهم ما يخسرونه.

14. . تطورت الدولة الديموقراطية اللبرالية الحديثة في سياق تشكّل الأمة الحديثة من القومية أو من الدولة، أو من كلتيهما، وفي سياق اقتصاد منتج دافع للضرائب، وفي سياق تشكّل طبقة وسط

15.  يطلب من الديموقراطية العربية أن تتطور ضد بناء المؤسسات الحديثة، وضد بناء الاقتصاد المنتج والطبقة الوسطى، ومن خلال تعميم ثقافة استهلاكية غير منتجة ومن خلال توسيع الهوة بين الغني والفقير، وفي سياق ذلك يتمّ تعميم الديموقراطية كجزء من الثقافة الاستهلاكية حلًّا وعلاجاً، ويشترط بها أن تتطور ضد القومية وضد عملية بناء الأمة. وهذا استعصاء.

16.  ليست الديموقراطية هي الحل على نمط الإسلام هو الحل. بل هي عملية تطور وهي أيضاً خيار سياسي إرادوي.

 

جديد
 

جسّد التطور المتعلق بحزب العمّال الكردستاني جديداً. ونحن نجزم بذلك دون ولوج التعقيدات المهمة للقضية الكردية: من وقوعها في أسر سياسات الدول العظمى ضد دول المنطقة وانقسام القوى الكردية بين هذه الدول بحيث لم تتمكن من إقامة مشروع حركة وطنية كردية موحدة، إلى الفوارق بين أوضاع الأكراد في الدول المختلفة الموزعة بسبب هذه الفوارق إلى قضايا كردية مدنية أو وطنية أو ثقافية، ودون الحاجة لدحض بعض حجج المغالين بين القوميين الأكراد المتعقلة بالإقليم الجغرافي ومساحته وطموحها في توسيعه.
 

ويكمن الجديد في أن الصراع بين الحزب وتركيا، والصراع بين الإقليم الكردي وبقية العراق على ولائه ومساحته وعلَمه وغيرها، هي صراعات داخل المعسكر الأميركي. لقد توسعت الامبراطورية الى درجة أن الصراعات في إطارها تدور بالحدة نفسها التي كانت تميز الصراع بين قوى خارجها وأخرى داخلها. وكون مثل هذه الصراعات لم تعد تختلط بالصراع مع أميركا جعل عناصرها المكوّنة الأصلية أكثر وضوحاً. لقد كان الصراع بين الدول العظمى من عناصر تمزيق القضية الكردية بين الدول العظمى، فمثلًا حين كان حزب العمال متحالفاً مع السوفيات كان البرزاني متحالفاً مع الاميركان. وحين كان البرزاني يحارب نظام فيصل في العراق كان متحالفاً مع السوفيات، اما عندما باتت حركته انفصالية ضد جمهورية صديقة للاتحاد السوفياتي فتحالف مع إسرائيل مباشرة. الجديد أن الصراع برمّته بات يدور كله داخل المعسكرالأميركي.

 

كلام على دارفور
 

في كل المناطق التي يختلط فيها الاقتصاد الرعوي بالزراعي يقترب الرعاة من المزارع في فترة الصيف حين يشح الماء والكلأ. حينها يقع الاحتكاك بين الرعاة والفلاحين وتقع الحروب البدائية... والتي رمزت إليها التوراة بقصة قايين وهابيل.
 

الصراع بين القبائل الرعوية والزراعية قديم في دارفور. الجديد هو اكتشاف النفط في السودان. والجديد هو دخول الدولة على شكل تسليح وتحالفات سياسية متبدلة، والجديد هو تدخل عدة دول أجنبية، والجديد هو أيضاً حجم الجرائم التي ارتكبت. ولا مجال لتجاهل الجديد واختزال الظاهرة بالقديم. لكنه على كل حال ليس اضطهاد عرب لغير العرب.
 

في دارفور يتكلم الناس العربية بلهجات مختلفة، ودينهم جميعاً هو الإسلام، ولهم لون البشرة نفسه. لا فوارق مميزة بين عرب وغير عرب، والجميع أفارقة ومسلمون. ظروف المعيشة، ووسائل إنتاج الحياة المختلف والصراع الذي تولده تنشئ تمايزاً، وتصنع هويات، وتدفع إلى اختراع أصول وهمية. هؤلاء يدّعون بأثر رجعي أن أصلهم من الجزيرة العربية وأولئك يدّعون أن أصولهم من قلب القارة الأفريقية. هنا ينشأ نمط حياة وصراع يتخذ له هويات مبتدعة.
 

تسهم الحكومات الفاشلة في توليد الصراعات بطريقتين: أولًا بإهمال التنمية في هذه المناطق والإمعان في تهميشها، وثانياً في استخدام الصراعات التي يسهم نقص التنمية الاقتصادية في توليدها. وقد بدأ تسليح القبائل في فترة حكومة الصادق المهدي. وفي العهد الحالي مثّل التدين مصدر دعم للحكومة الأولى، فضلاً عن أن دارفور تمثّل مصدراً للتجنيد.
 

ثمّة علاقة غير مدروسة بين تفكّك الحكومة من العهد الحالي وتطور الصراع مع حسن الترابي وبين تفجر الصراع بهذه المقاييس في دارفور. في هذه الفترة سلّحت الحكومة الجنجاويد. القصف الحكومي أنتج مخيمات للنازحين من القرى الزراعية على أطراف المدن. واقترنت عملية تجميع المتمردين في معسكرات بارتكاب جرائم حرب. فقد قصفت قرى وعشائر بواسطة سلاح الطيران. وتقدر الحكومة عدد القتلى في كل سنوات الحرب بعشرة آلاف ويقدرها الآخرون بما بين أربعين ألفاً و200 ألف.
 

كان القتل متبادلاً، وعلى كل حال ليس الحديث عن جينوسايد عرب بغير العرب، كما ادّعت الحملة الدولية الصهيونية المنطلقة كالعادة من الكونغرس. بل هو صراع واقتتال تم تسييسه، واستغلّته الحكومات التي غيّرت تحالفاتها مرات عديدة بعدمية فائقة. صاحب فكرة الجينوسايد هو نفسه صاحب فكرة قرن الهوية العربية بكل ما هو سيئ، من عروبة العراق وحتى عرب السودان. 
 

حاول اللوبي الصهيوني أن يقيم بقيادته غير الوهمية تحالفاً وهمياً بين الشعوب التي تعرّضت لخطر الإبادة في الماضي مثل اليهود، والشعوب التي يدّعي أنها تتعرض لإبادة حالياً... المهم هو صناعة صورة العدو بصفته عربياً. وكاد بوش يقع في هذا الفخ بإرادته الكاملة لولا مؤسسته العسكرية التي اعترضت على تورط جديد، واكتشاف الصين قابعة في المصالح النفطية السودانية، ورفض المجتمع الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان تطبيق مفهوم الجينوسايد وتبعاته دولياً على ما يجري في السودان رغم كل حملات غسل الدماغ.
 

سنحت حالياً كما يبدو فرصة جديدة للسودان لتغيير الأوضاع في هذا الإقليم، ولا يبدو أنه قادر على استغلال هذه الفرصة.