«فصل المقال»: إلى ماذا تعزو فوز حماس في المجلس التشريعي الفلسطيني؟
د.بشارة: يبدو أن التدخل الأميركي الإسرائيلي ضد حماس وتهديد المجتمع الفلسطيني بعواقب انتخابها جلب على أصحابه نتائج عكسية، وهذا لا يعني أن حماس تستمد قوتها من رد فعل على السياسات الإسرائيلية والأميركية فحسب، فقوتها نابعة من عناصر عديدة أهمها قواعدها الاجتماعية ومؤسساتها واستنادها في بعض الحالات إلى بنى أهلية تقليدية وغيرها، وثانيها نهج المقاومة الذي اتبعته منذ الانتفاضة الأولى ،وثالثها وليس أقلها أهمية الخطاب الإسلامي.
«فصل المقال»: علام ينطوي هذا الفوز! ما هي الأهمية التي تنبع منه؟
- د.بشارة: لقد هددت أميركا وإسرائيل وانضم إليهما الاتحاد الأوروبي الشعب الفلسطيني بالويل والثبور وعظائم الأمور مثل قطع المعونات عنه وقطع الاتصال معه إذا حازت حماس على غالبية مقاعد المجلس التشريعي وبهذا التهديد ازدادت حركة حماس نفوذًا انتخابيًا بعدما كانت تشكل قوة رئيسية على الساحة الفلسطينية، وفي الأمر عبرة إقليمية لا تقتصر على فلسطين وحدها. فالتصويت جاء ليقول لا لأمريكا ولا للتهديد الإسرائيلي، وهذه ألـ«لا» هي شهادة شرف للشعب الفلسطيني. في هذه الظروف تسنح فرصة للشعب الواقع تحت الاحتلال أن يقول موقفه. ومع أن الفرصة سنحت والانتخابات نظمت لأسباب ودوافع لم يخترها هو إلا أنه يستغل الفرصة ليقول لا لأميركا وإسرائيل، فيحرج الزعامات العربية ويحثها على بعض الثقة بالنفس، فلا مبرر لتضاؤل هذه القيادات السياسية العربية إلى درجة الذوبان أمام أملاءات الولايات المتحدة.
«فصل المقال»: كيف لك أن تفسر فشل حركة «فتح» في هذه الانتخابات؟
- د.بشارة: جرت الانتخابات بعد تجربة لفتح في السلطة دامت عشر سنوات. وهي رغم وجودها تحت الاحتلال وافتقادها للسيادة لم تحافظ على ثقافة وسلوكيات حركات التحرر الوطني، وهذا ما أدى إلى نشوء فجوة بين الخطاب والممارسة وأفرز زمرة من رجالات السلطة صبغوا بتلونهم حركة تاريخية تعج بالمناضلين والشرفاء. لقد أحبطوا محاولات إصلاح قام بها شرفاء من شباب الحركة الميدانيين إذ حولوها إلى مدد وجيوش احتياط في صراعاتهم الداخلية على كعكة السلطة الضامرة التي تأملوا أن تسمن بالمساعدات الأجنبية بعد رحيل عرفات. اقترع الشعب الفلسطيني ضد هذه السلوكيات وضد هذه الثقافة التي حشرت بين الاستقالة من التحرر الوطني واللهاث وراء الدولة دون دولة، أو وراء دولة فارغة من مقومات العدالة والإنصاف.
«فصل المقال»: وهل سيكون بمقدور حماس تفادي هذه الأخطاء وتوصيل المركب إلى بر الأمان؟
- د.بشارة: قبل أن نسارع إلى الإستنتاج لا بد أن نذكر أن حركة حماس لم تجرّب في إدارة المجتمع والسلطة. ولا ندري إذا كانت ستجرؤ على اقتحام هذه التجربة من خلال أغلبية في المجلس التشريعي تمكنها من تشكيل حكومة فلسطينية. ولا ينم هذا التردد عن نقص في الشجاعة بل عن تناقض بين سياسة ونهج أيديولوجية حماس التي أوصلتها إلى الأغلبية التشريعية وبين الوجود في سلطة تنفيذية مرتبطة من قمة رأسها إلى أخمص قدميها في علاقات تنسيق وغيره مع إسرائيل وأميركا وأوروبا يصل إلى حد التواجد الرسمي للمخابرات الأميركية في بعض المواقع. إن لم تكن حماس قادرة على ولوج عالم السلطة التنفيذية تحت الإحتلال دون أن تتغير فليس أمامها سوى خيارين: الخيار الأول هو حل السلطة وتغيير واقع وجود سلطة أصلاً وهو خيار قد يؤدي إلى فوضى تخلق فراغًا يمكن الأجهزة الأمنية من ملئه دون أخذ الخيار الديمقراطي بعين الاعتبار، أو يتمثل الخيار الثاني بأن تطرح حماس ما سبق وطرحناه سابقًا وهو قيادة وطنية موحدة تتحكم باستراتيجية المفاوضات يشكلها المجلس التشريعي وسلطة تنفيذية من مهنيين تدير شؤون المجتمع وليس لها صلاحية التفاوض ولا تقديم التنازلات.
«فصل المقال»: ماذا مع مستقبل القضية الفلسطينية في ظل الوضع السياسي الجديد؟
د.بشارة: لقد نشأ وضع سياسي فلسطيني جديد من ركائزه أغلبية فلسطينية منتخبة ترفض مسلسل التراجع أمام الإملاءات الإسرائيلية ويجيء هذا الوضع بعد أن ضعف تمثيل الشعب الفلسطيني في الشتات وضعفت عناصر التحرير وحق العودة في الأيديولوجية السياسية الفلسطينية.أما اليوم فلم يعد التفاوض ممكنًا دون مرجعيات وثوابت. وقد قال الشعب الفلسطيني كلمته في هذه الانتخابات إنه لا يريد مفاوضات غير ملتزمة ولا ملزمة بثوابت.
«فصل المقال»: ماذا ستكون ردة الفعل الإسرائيلية؟
- د.بشارة: لا شك أن حزب الليكود سيدعي الآن في الانتخابات الإسرائيلية أن الشعب الفلسطيني اختار طريقًا معاديًا للسلام وأن الرد يجب أن يكون بالتصويت لمن لم يثق أصلاً برغبة الفلسطينيين بالسلام ولديه الرد المناسب على هذا العناد الفلسطيني. وسوف يدعي اقطاب حزب «كاديما» الجديد أن هذا الخيار الفلسطيني سوف يعمق لديهم النزعة لفك الارتباط من طرف واحد دون تفاوض. أما حزب العمل فسوف يؤكد على الشروط الملزمة لأي طرف في السلطة ليكون مؤهلاً للتفاوض مع إسرائيل. كل هذا ليس مهمًا، فرد الفعل الإسرائيلي ليس هو الأساس بل ما يريده الفلسطينيون. الأساس هو بلورة إجماع فلسطيني يتمسك بالعدالة أساسًا للحل ويرفض اعتبار الحجج الديموغرافية الإسرائيلية أساسًا له إن كان ذلك عند الليكود أو كاديما أو العمل. الأساس أيضًا أن تدرك حركة حماس أن قواعد اللعبة الديمقراطية التي مكنتها من تحقيق الأغلبية تستند فيما تستند ايضًا إلى قيم تشمل الحريات الشخصية وحقوق الأفراد في اختيار مسار حياتهم وحقوق المواطنة وعدم الإكراه في الدين.وهذه القيمة الأخيرة تتقاطع عندها الديمقراطية مع قيم إسلامية موجودة لمن يريد ولمن لديه الرغبة والمصلحة في اكتشافها. هذه تحديات لا تقل أهمية عن تحدي الإرادة التي عبرت عنها الأغلبية في هذا اليوم المشهود، وذلك بغية النهوض بمجتمع فلسطيـــني قائم على أسس متينة من مقـــومات الحرية والعدالة والأنصاف.