عرض: فادية مصارع
أن تجتمع الموهبة الأدبية مع فرع من فروع اختصاص المرء أو معرفته أمر يدعو للإعجاب، فكم من طبيب تفوق في مهنته وعرف كاتباً وشاعراً، لابل فليسوف أيضاً، وخير مثال ابن سينا الشيخ الرئيس الذي كان فيلسوفاً وعالماً وطبيباً وشاعراً ورائداً من الرواد الأوائل في نظم الرباعيات الفارسية، ولايمكن أن ننسى في هذا المجال أبا العلاء المعري الملقب بشاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء.
عزمي بشارة واحد من هؤلاء وقد عرفناه مفكراً وفيلسوفاً يتحدث عن العلاقة بين الثقافة والسياسة والمثقف والسلطة وعلاقة الثقافة مع السلطة في التاريخ، والمجتمع المدني والديمقراطية وأنماط الأديان.
قرأناه للمرة الأولى روائياً في روايته (الحاجز) الذي تحدث فيها عن يوميات الفلسطينيين فرحهم وحزنهم عذابهم وقهرهم صمودهم وتحديهم، والآن نقرؤه شاعراً ففي مجموعته (فصول) نجد نصوصاً باذخة فيها من الفكر أكثر مما فيها من الشعر وبين ثنايا سطوره نقرأ حديث المفكر لا الشاعر يقول:
لاأذكر هل أدركت
أم أحسست
أن الهدف والنية ليسا تفاصيل وأن الأعمال ليست بالنتائج
ومذ أصبحا عندي المعيار والقضية
صرت أعلم أن من ترفع عنها وادعى موقعاً
ماوراء الهدف يتجاوز النية
برهن في كل تجربة ذات معنى، وعاد وأثبت أنه تدنى وفي ذلك يبتعد عن المجاز والصور إلا ماندر لأن همه هو الدوران في فلك الحقيقة:
بدا التعارف عادياً كيفما اتفق
بين الخجل والصمت والإحراج
وقول شيء لكسر الهدوء، أو للتظاهر بالوثوق
لم تمر ثوان
وحضر الغيب
صار كلي الحضور
عزمي بشارة يلح في نصوصه على بناء المعنى على المنطق فمثلاً يقول:
أن تجده كان يعني بالضرورة أن يجدها
وأن تحيا يعني أن يعيشها أيضاً
ومثل انشطار الواحد
تطلق وحدة الاثنين بعد هذا العمر ثورات
ويوقظ العشق أشباحاً قديمة
ومخاوف ربما كانت دفينة
والمفكر الفيلسوف همه الفلسطيني مغلف في أقمشة همه الذاتي ويكاد يلمح لمحاً من خلال تراكيبه:
أقصى بقاع الأراضي تلك التي
كان يقصدها منهكاً حراً وحيداً
مثل جندي عائد من هزيمة
كالعودة يمتد إليها الرواح
ومهما طال فيها المكوث
لايفرغ حقيبته في خزانة
يستل منها النهار مطوياً
يقدمه الصباح
وفي المساء يعيد إليها الأمانة
من سلالة فكرية سياسية انحدر بشارة وقد وصفه البعض بأنه أعاد اكتشاف الفكر القومي وهو الذي ينتمي إلى جيل جديد من القوميين العرب، وبشارة إذ يغلب العقل على الشعور والفكر على الأدب ويأبى ألا أن يكون المفكر المتفلسف الشخصية التي عرف بها ولاغرو أن تطغى على الأديب الروائي أو الشاعر الذي أراد أن يطوع الشعر للفكر على أي حال هي محاولة لابأس من خوضها.