محمود محارب
قليل هم الأشخاص المميزون الذين يتمكنون عبر مراحل حياتهم في الاستمرار في المبادرة والعمل الدؤوب في تأسيس المؤسسات والهيئات التي تلعب دورًا هامًا في حياة المجتمع والشعب.
لقد تمتع الدكتور عزمي بشارة بميزات كثيرة وضعته في مقدمة الصفوة وأهلته ومكنته من المبادرة والنجاح في تأسيس المؤسسة تلو الأخرى. من المعروف أن الدكتور عزمي بشارة ساهم مساهمة أساسية وحاسمة في تأسيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي. ولعل دوره الهام في تأسيس وقيادة حزب التجمع الوطني الديمقراطي لعقد ونيف كانت المرحلة الأكثر زخمًا وارهاقًا وعملا دؤوبًا وشاقًا في النضال الوطني والسياسي الذي خاضه الدكتور عزمي بشارة، علاوة على عطائه الفكري المهم طيلة هذه الفترة.
وقبل تأسيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي كان عزمي بشارة وهو في مرحلة الدراسة الثانوية قد ساهم في تأسيس وقيادة الإتحاد القطري للطلاب العرب في المدارس الثانوية. وفي المرحلة الجامعية ساهم في تأسيس "جبهة الطلاب العرب" في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، وفي أواخر الثمانينات وبعد الخلافات الفكرية خرج الدكتور عزمي بشارة مع العشرات من الحزب الشيوعي وأسسوا "ميثاق المساواة".
وإيمانًا منه في أهمية الثقافة والفكر بادر الدكتور عزمي بشارة في التسعينات من القرن المنصرم وساهم مساهمة رئيسة في تأسيس "جمعية الثقافة العربية" و"مركز مدى الكرمل للدراسات الاجتماعية"، والمؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية-مواطن".
استمر الدكتور عزمي بشارة في عطائه الفكري والسياسي، بعد خروجه للمنفى الاضطراري إثر الملاحقة الأمنية، وتوج هذا الأمر بتأسيس "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة، وما لبث هذا المركز أن احتل مكانته الهامة والمميزة في عطائه البحثي والفكري.
ولعل تأسيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي وقيادته له لعقد ونيف، منذ سنة 1995، كانت المرحلة الأشد إثارة والأكثر إيثارة على نفسه.
في تلك الفترة التاريخية، فترة ما بعد أوسلو وما حملته من أوهام وأسرلة، برز دور الدكتور عزمي بشارة مع مجموعة من القياديين الآخرين في العمل الدؤوب والدفع لتأسيس حزب سياسي جديد تتوحد فيه الحركات الوطنية، ويحمل مشروعا وطنيًا لمجمل العرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر. في هذا المفترق كان دور الدكتور عزمي بشارة هاما ومحوريًا وحاسمًا في العمل في تأسيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي وقيادته.
علاوة على تجاربه وخبرته السابقة التي كان قد اكتسبها في مسيرته، وعلاوة على كونه مفكرا وقائدا سياسيا فذا، تمتع الدكتور عزمي بشارة بحضور قوي وبكاريزما وبقدرة فائقة في نقل وإيصال أفكاره ومواقفه السياسية بأفضل وأوضح الأساليب. أضف إلى ذلك أن الدكتور عزمي كان دومًا يتمتع بروح المبادرة والاجتهاد ويمقت الكسل ويكره الفشل. كل هذه العوامل منحته دورا طبيعيًا وحاسما في جميع مراحل عملية التأسيس.
عملية تأسيس التجمع لم تكن عملية لمرة واحدة، ولم تسر في خط مستقيم. فتأسيس حزب سياسي من عدة حركات سياسية ذات منابع ومشارب سياسية متعددة لم يكن سهلا إطلاقا. وقد شهدت عملية تأسيس حزب التجمع مراحل عديدة دارت خلالها نقاشات وحوارات جادة بين مكونات حزب التجمع حول قضايا فكرية وسياسية هامة وحول قضايا تنظيمية وفي مقدمتها ماهية الشكل التنظيمي الذي سيتخذه حزب التجمع. ومرت عملية تأسيس حزب التجمع في عدة مراحل ومحطات - المرحلة التنسيقية بين مكونات التجمع وثم مرحلة التفاهم على إيجاد مؤسسات مركزية للتجمع قائمة على الاتفاق بين مكونات التجمع وثم مرحلة الرقي بالتجمع وبناء جميع مؤسساته المركزية على أساس الانتخابات. وفي كل مرحلة من هذه المراحل التأسيسية كان للدكتور عزمي بشارة الدور القيادي المحوري في دفع عجلة تأسيس حزب التجمع إلى الأمام.