د.محمد الكمالي
يتحدث المفكر العروبي عزمي بشارة في برنامج حديث الثورة بتاريخ 9-6-2011 كعادته في تحليله الدقيق ولغته الرصينة مازجا ذلك بلهجة عامية شامية فيذكر لفظة "إحنا وهما" - واللتان بالمناسبة تتشابه طريقق لفظهما مع بعض العاميات اليمنية - كمرادفتين لنحن وهم وهو يشير الى ان من يتحدث بصيغة "إحنا" يفترض في رأسه الاخرين الذين يتحدث نيابة عنهم بصيغة إحنا ليواجه "الهما" الموجودين في رأسه ليمارس نوع من الشمولية والتنميط.
فرغم الوجود الموضوعي لانا وهم ونحن وهم علي اكثر من مستوى لكنه يشكل خطورة عندما يعبر عن نظرة مذهبية ومناطقية يتجلى تاثيرها الهدام علي قيم هامة واساسية كقيم المواطنة والمساواة وحتى الأنسانية ,فعندما تنظر لهذا الاخر ضمن إطار نمطي وشمولي ينتج عن ذلك قبول بمسلمات وحقائق مطلقة تجعل الاطار العام للعلاقة مع الاخريتخذ منحى الرفض والعدائية التي تعمل علي اذكائها لتعزيز مقدار معين من التميز والاختلاف _غير البناء_ وكلا الطرفين في هذه العلاقة الاقوى والاضعف فيها يرى نفسه الافضل والاجدر بالاستمرار والانتصار في معركة للبقاء والوجود والتميز وفي معاركه التي يخوضها حقيقة او وهما .
هنا تصبح اكثر الواقف اعتيادا واكثر المشاكل روتينية مادة وزخم للتحسس والتعصب والشحن الظاهر والباطن.
البعض يعتقد ان الطائفية تولد مع الفرد فكل انسان ينحاز لنفسه اولا ثم يوسع ذلك الي المحيط الاقرب منه ثانيا فيشكل "إحنا" لتعبر عن الفرد نفسه ومن ثم يعيد طرحه بشكل يعبر عن المجموع الذي يرى نفسه جزئا منه في مقابل "هما" او الاخر الذي يواجهه وقد يتغير الاحنا والهما حسب الظروف.
والبعض يرى ذلك افة اجتماعية متعلقة بالتعصب ورغبة المجموع –القطيع- في تمييز نفسه وقد ينشاء هذا التمييز كحالة دفاعية امام الاخر او الهما الذي يعطي الدافع والضرورة الملحة لتشكيل الاحنا.
وهناك من ياخذ الامور الفردية والاجتماعية الي المجمل السياسي فالطائفية السياسية لا تقل عن الطائفية الدينية او المذهبية فالغرب الذي كان ينظر الي الاحنا والهما سابقا من منطلق المواجهة مع الشيوعية ويحاول ابراز الاحنا ويحاول تطويرها فكريا وثقافيا الي جانب العسكري والسياسي مقابل الهما الشيوعي.
فالشيوعيون ارتكزوا علي الظروف الاجتماعية والاقتصادية لاحنا وهما اعتمادا علي نظرية اكثر متانة للصراع الطبقي ومدعمة باطار فكري وواقعي يدعمهما ,مما استدعى في المقابل تبني نظرة مضادة من الغرب لتتحول من الدفاع الي موقف الهجوم معتبرة الاحنا هم المدافعون عن قيم الحرية والديمقرطية والفردية علي الطريقة الراسمالية وان لم يختلفا علي التعامل الامبريالي مع الاخرين ضحايا الصراع بين الاحنا والهما للقوى العظمى .
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي واتجاههم لصناعة الهما الاخر الجديد للغرب وهو الخطر الاخضر الاسلامي ارتد الصراع السياسي الاجتماعي الطبقي ليكتسب اطار ديني فيصبح الغرب مدافعا عن المسيحية في حملاتة الصليبية المقدسة بارض النفط ضد الهما.
وليعمم الغرب هذه النظرية الجديدة للاحنا والهما في الاطارات الاضيق الاقليمية والمحلية بشكلها الديني والمذهبي يشجع بروز هذا الصراع الطائفي تحت مسمى تشجيع التميز وحماية الاقليات في الدول المحكومة من مستبدين ينتمون للاكثرية وكذلك دعم حق الاكثريات العرقية والدينية في الحكم داخل الدول المحكومة من مستبدين ينتمون للاقلية .
لتكرس نظم الطغيان والصراع والكراهية مبتعدة عن جوهر المواطنة والديمقراطية والحقوق حتى بالمقاييس الغربية لان صناعة ديمقراطية مشوهة ومحتقنة طائفيا ومناطقيا او دينيا هو ما يخدم مصالح هذه الدول لتبقى الضامن لتوازن القوى والراعي الرسمي للصراع الذي تغذية الاختلافات العائدة لاكثر من الف سنة مضت .
يترك الناس همومهم ومصالحهم والنظر لمستقبلهم ليلتهوا بمعارك لتصفية نزاعات بين ملوك وفقهاء ضاع تراثهم وبقت خلافاتهم لتعيد امريكا والغرب اكتشافها وضخها للسطح كما تضخ النفط تحقيقا لمصالحها.