في هذا الكتاب يتعقّب المؤلف الأسبابَ الجوهريّةَ التي أدت إلى الثورة التونسيّة، ويعقد مقارناتٍ علميّةً بين بعض المظاهر الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي سادت في تونس قبل الثورة، وبين مثيلاتها من المظاهر في دول عربيّة أخرى مرشحة للثورة؛ ومنها فشل التنمية، وتزايد البطالة، وتوريث الحكم وشرعيّته وتسلّطه، والتدين والعلمانيّة... وغيرها. والكتاب هو محاولة تحليليّة لفهم بنية الثورة التونسيّة، وصيرورتها من خلال يومياتها. وفي سياق هذه المحاولة يقدِّم المؤلف قراءةً نقديّةً معمّقةً لأشكال التسلط التي شهدتها بعض البلدان العربيّة؛ ولا سيّما في طور اندماج فئة رجال الأعمال بمنظومة الجهاز الاستبدادي، وظهور جيل جديد من أبناء المسؤولين العسكريين والأمنيين الذين اتجهوا نحو الاستثمارات، ولجأوا إلى طريقة عيش مُترفة، وإلى الاستهلاك المبتَذَل كسلوك استعراضي. وكان ذلك كله محاولة لتغطية روائح الجرائم المرتكَبَة في أقبية التحقيق والتعذيب بعطور مزيّفة قوامها جيش من المثقفين والكتاب والفنانين وروّاد الصالونات الثقافيّة المكرّسة لهذه الغاية.
يعود الكاتب في هذا الكتاب (496 صفحة بما فيها الوثائق والفهرس) إلى ما قبل الثورة التونسيّة، ويرصد تاريخ الانتفاضات، ويشرح خريطة الأحزاب في تونس عشيّة نشوب الثورة. ثم يعرض تفاصيل الوقائع في يوميّات الانتفاضة، وكيف تطورت الأحداث تدريجيًّا حتى لم يبقَ أمام زين العابدين بن علي غير الهرب. أما الدرس التاريخي الذي يستخلصه الكاتب في خضم الثورات العربيّة المندلعة اليوم؛ فيقدمه في صيغة اقتراح للمجتمعات متعددة الهويّات، والتي تتضامن بعض هويّاتها مع النظام القائم (مثل حالة سوريّة والعراق)؛ فيقترح أن يتم الإصلاح بالتدريج، وأن يجري انتقال السلطة سلميًّا، والأفضل أن يكون الانتقال بمشاركة النظام القائم خوفًا من أن يشُق أي تحرك ثوري المجتمع شاقوليًّا. لكنّ الكاتب يتساءل: ما العمل إذا ما رفض النظام نفسُهُ الإصلاح، وأصرَّ على تأجيج سياسة الهويّات كوسيلة لتعبئة أنصاره، هل يمكن لتغيير النظام بالقوة في بعض الحالات أن يتحول إلى تفكيك الكيان السياسي؟
يحيل الكاتب -في سياق الإجابة عن هذا التساؤل- الأمر إلى الديمقراطيين العرب، ويعرض عليهم خيار السعي إلى الديمقراطيّة على أساس المواطنة المتساوية، وتجنُّب صراع الهويات؛ ذاك الذي يؤدي بالضرورة إلى التحول نحو الصراع ضد جماعات متماهية مع النظام. ويرى أن الثورة الديمقراطيّة تعني، أولًا وأخيرًا، ممارسة الشعب لسيادته باعتباره شعبًا موحَّدًا، وأي ثورة تجزّئ الشعب إلى هويّات جزئيّة ليست ثورة ديمقراطيّة.