تقدير موقف
وحدة تحليل السياسات (مجموعة باحثين)
اشراف الدكتور عزمي بشارة
المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات
مقدمة
أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الأسبوع الماضي ما وصفه بـ "الإستراتيجية الأميركية الجديدة في أفغانستان وجنوب آسيا". ولم يقدم ترامب تفاصيل كثيرة عن إستراتيجيته الجديدة، غير أنّه قرر إرسال حوالى 4000 جندي أميركي لينضموا إلى 8400 جندي أعلن أوباما في نهاية رئاسته أنهم سيبقون هناك، بعد أن صرّح في مطلعها أنّ التورط الأميركي في أفغانستان سينتهي في نهاية رئاسته الثانية. وكان ترامب انتقد خلال حملته الانتخابية طريقة تعامل إدارة سلفيه جورج بوش وباراك أوباما مع الحرب في أفغانستان، داعيًا إلى الانسحاب منها وإنهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، كلفتها نحو 2400 قتيل من دون أن تهزم طالبان بعد ستة عشر عامًا من القتال، بل على العكس باتت طالبان تسيطر اليوم على 40 في المئة من أفغانستان. لقد ناقض ترامب في إعلانه الأخير حول أفغانستان دعايته الانتخابية، وانصاع لموقف وزارة الدفاع والجيش الأميركي.
خلفيات القرار
في شباط/ فبراير 2017، طالب قائد القوات الأميركية في أفغانستان، الجنرال جون نيكلسون، في جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي، بزيادة عدد القوات الأميركية في أفغانستان لكسر الجمود الذي يسيطر على الوضع فيها. وبناءً عليه، قدمت وزارة الدفاع الأميركية توصية إلى البيت الأبيض بإرسال مزيد من القوات إلى أفغانستان. وقد أثار الأمر خلافات واسعة بين مستشاري ترامب، وتشككًا لديه. غير أن ترامب قرر تلبية طلب البنتاغون مبررًا ذلك بالقول: "حدسي الأساسي كان يلح عليّ بالانسحاب، وتاريخيًا أحب أن أتبع حدسي. ولكن طيلة حياتي أسمع أن القرارات تكون مختلفة جدًّا عندما تتخذها وأنت تجلس وراء مكتب الرئيس". وأضاف أنه بعد اجتماعات كثيرة على مدى الأشهر الماضية، توصل في اجتماع في منتجع كامب ديفيد الرئاسي مع وزراء في حكومته وجنرالات في الجيش يوم 18 آب/ أغسطس الجاري، إلى ثلاث نتائج حول مصالح أميركا الأساسية في أفغانستان، هي:
جدل داخلي
قدّم ترامب عددًا من المبررات لقرار زيادة عدد القوات في أفغانستان، لكن هذه الخطوة لم تحظَ بإجماع داخل إدارته وبين مستشاريه. ويبدو واضحًا أنه اتخذ قرار زيادة القوات تحت تأثير الجنرالات المحيطين به وضغطهم، وتحديدًا، وزير الدفاع، الجنرال جيم ماتيس، وكبير موظفي البيت الأبيض، الجنرال جون كيلي، ومستشاره للأمن القومي، الجنرال أتش. آر ماكماستر. في المقابل، وقف "الأيديولوجيون" الانعزاليون داخل إدارته (لم يبق منهم كثير بعد خروج ستيف بانون، وسيباستيان غوركا)، ضد مزيد من التورط في أفغانستان، على أساس أن هذه حرب لا يمكن الانتصار فيها، كما أنها تمثل تراجعًا من جهة ترامب عن وعد قطعه لقاعدته الانتخابية عنوانه "أميركا أولًا"، ولذلك فإنهم كانوا يطالبون بانسحاب كامل. وكان لافتًا أن موقع "برايتبارت" الإخباري Breitbart الذي يمثل اليمين المتطرف، والذي عاد إليه بانون رئيسًا تنفيذيًا بعد خروجه من الإدارة، نشر عناوين ناقدة خطاب ترامب، من قبيل "ترامب غيّر مساره" و"دونالد ترامب يردد شعارات أوباما".
ويرى بعض حلفاء ترامب المطلعين على عملية اتخاذ قرار زيادة عدد القوات في أفغانستان، أنه اختار طريقًا تقليدية ومال إلى الجنرالات الذين باتوا يسيطرون على الدائرة الضيقة المحيطة به، إلا أنه رفض إرسال عشرات الآلاف من الجنود، كما طلبوا. ويشير أولئك المسؤولون، أيضًا، إلى أن ترامب بقراره هذا أظهر رئيسًا غير مرتبط بأيٍّ من مبادئ السياسة الخارجية، ولكنه مستعد لتبنّي وجهة نظر معيّنة طالما أنها تقدمه زعيمًا قويًا.
الإستراتيجية الجديدة
تحدث ترامب عن إستراتيجية جديدة، لكن ما أعلنه خلا من التفاصيل، ولم يبد مختلفًا كثيرًا عما ظل يردده الرؤساء الأميركيون قبله من أن قواته "ستقاتل من أجل النصر"، وستسحق داعش والقاعدة، وتمنع طالبان من السيطرة على أفغانستان، وتوقف الهجمات الإرهابية الكبيرة ضد أميركا قبل وقوعها. مع ذلك حرص الرئيس الأميركي على أن يبدو مقدمًا الجديد في هذه الإستراتيجية من خلال:
أما ملامح الإستراتيجية الجديدة، فقد حددها ترامب في التالي:
وفي أحاديث خاصة خلال فترة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، عبّر مسؤولون عسكريون أميركيون عن شعورهم بالإحباط لعجزهم عن ضرب أهداف كثيرة لطالبان من بينها معسكرات تدريب، إلا إذا ثبت أنها تمثّل تهديدًا مباشرًا للقوات الأميركية أو تأثيرًا بالغًا في الدولة الأفغانية.
خلاصة
قدّم وزير الخارجية تيلرسون الدليل على أن إدارة ترامب ليست لها إستراتيجية واضحة ومتماسكة في أفغانستان، حين ناقض مزاعم ترامب بأن الولايات المتحدة ستنتصر هناك. فبعد خطاب ترامب، صرح تيلرسون إن "الولايات المتحدة منفتحة على التفاوض مع طالبان بلا شروط مسبقة". أما الدافع إلى ذلك بحسب تيلرسون، فيتجسد في "إن هذا الجهد برمته (أي الإستراتيجية الجديدة) يهدف إلى الضغط على طالبان حتى تفهم أنها لن تنتصر في ساحة المعركة. قد لا ننتصر نحن، ولكنكم لن تنتصروا أنتم أيضًا". وأضاف: "في مرحلة ما، يتعين علينا أن نجلس إلى طاولة المفاوضات، ونجد طريقة لإنهاء الصراع. نحن هناك لتسهيل وجود طريق للمصالحة ومحادثات السلام وضمانها. ونحن نعتقد أن ثمة بعض العناصر المعتدلة في طالبان".