انطلقت اليوم السبت 3 تشرين الثاني/ نوفمبر أعمال ندوة "من السلاح إلى السلام: التحوّلات من العمل السياسي المسلّح إلى العمل السياسي السلمي"، التي يعقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يومي 3-4 تشرين الثاني/ نوفمبر، في مقره بالدوحة، الندوة هي الأولى من نوعها في المنطقة العربية، من ناحية المضمون العلمي إذ تبحث في حالات الانتقال من العمل السياسي المسلّح إلى النشاط السياسي غير المسلّح، من خلال نماذج مختلفة من العالم، ومن ناحية الخبرات السياسية والأكاديمية المشاركة في أعمالها من خلال أوراق ودراسات علمية معمّقة.
بشارة: أربع ملاحظات في موضوع الانتقال من السلاح الى السلام
قدم الدكتور عزمي بشارة محاضرة افتتاحية بعنوان "أربع ملاحظات في موضوع التحول من العمل السياسي المسلح إلى العمل السياسي السلمي". حيث أشار في مقدمة محاضرته الى إن هذا الموضوع يتطلب مقاربة منهجية تكاملية ومركبة الأبعاد في العلوم السياسية وعلم الاجتماع والتاريخ الراهن، وقدم بشارة في محاضرته بعض الملاحظات المتعلقة بمنهجية الرؤية والمعالجة البحثية، ففي عرضه للملاحظة الأولى رأى بشارة أن أسوأ ما جرى لهذا الموضوع بوصفه موضوعًا للدراسة والبحث هو أنّه يُقارَب منذ بداية قرننا الحالي من زاوية ما نمّطته تسمية "الحرب على الإرهاب" وما أفرزته من أفكار وسياسات عملية، ما عرقل دراستَه بمنهجٍ علمي، وأخضعه إلى أجندات سياسيّة مباشرة من دول كبرى وأنظمة إقليمية ومحلية دخلت في لعبة تبادل المصالح في شراكات واتفاقات، أو معاهدات حول ما يدعى بـ"محاربة الإرهاب". أما الملاحظة الثانية، تكمن في مقاربة الموضوع تحت العنوان العام "الانتقال من العمل السياسي المسلح إلى العمل السياسي السلمي"، وأكد بشارة أنه لا يجب أن يطمس الفوارق بين أنواع العمل المسلح وأنواع العمل السياسي السلمي. والعلوم السياسيّة في سعيها للتخلص مما تسميه أحكام القيمة، غالبًا ما تنزلقُ إلى عدم التمييز بين سلاحٍ وآخر. وجادل بشارة في الملاحظة الثالثة البحث في موضوع الانتقال إلى السلم ضمن إطار فروع العلوم السياسية المقارنة، فهي تبحث في الانتقال جميعها، هو بحث تيليولوجي، أي أن غايته الوصول إلى السلم. ومهما أنكر العاملون فيه والمهتمون به انحيازاتهم، فإنهم منحازون غالبًا إلى ما ينظّرون للانتقال إليه بأدوات العلوم الاجتماعية.
و في الملاحظة الرابعة ناقش بشارة التحول من العمل السلمي إلى العمل المسلح. خاصة أن التجربة العربيّة في الأعوام الأخيرة تُبيّنُ أنّ الاستبداد الذي لا يترك أي مجالٍ للإصلاح السياسي والتغيير السلمي، إذا اجتمع مع سياسة تهميش اجتماعي وممارسات إذلال جسدي ونفسي لفئات واسعة من المواطنين يخلقُ بيئة مناسبة للعمل المسلح.
كيف تتحول الجماعات الثورية المسلحة الى السلام؟
كما قدم عمر عاشور، منسق الندوة ورئيس برنامج الدراسات الأمنية النقدية في معهد الدوحة للدراسات العليا، دراسة بعنوان "من مسلحين إلى سلميين: كيف ولماذا تتحول الجماعات المسلحة إلى النشاط السياسي اللاعنفي؟" استعرض في بدايتها فكرة الندوة و أهدافها البحثية التي تتركز في توفير إطار نظري جامع للمداخلات المقدمة خلال الجلسات المختلفة، وطرح أهم الأسئلة النظرية والعلمية التي تشتبك معها الأوراق البحثية. ثم انتقل عاشور إلى أهم الخلاصات العلمية للأجندة البحثية الخاصة بالتحولات من النشاط السياسي المسلح إلى النشاط السياسي السلمي، وعرض ما وصلت إليه الدراسات فيما يخص كيفية حدوث تلك التحولات وأسبابها، وشروط البدء والاستمرارية، كما تناول ما ينقص الأجندة البحثية في هذا المجال، وإمكانية تحديثها وتطويرها، وكيف يمكن أن تؤثر إيجابًا في صياغة سياسات رسمية تساعد على دعم التخلي عن العنف والتطرف واستمراره والتحول نحو السلمية والسلام.
وعقب كلمة عاشور محاضرة قدمها فرانك بيرل بعنوان "محاورة المسلحين: ملاحظات حول تنظيم القوات المسلحة الثورية "الفارك" واتّفاقات السلام الكولومبية". حملت المداخلة شهادة حول خبرة بيرل الشخصية في الحوار و التفاوض مع التنظيمات الثورية المسلحة في كولومبيا، وكيفية تحولها من السلاح إلى السلام، وتحديات بدء عملية التحول نحو النشاط السياسي السلمي، لاسيما أنه بدأ مسيرته المهنية في الحكومة الكولومبية عام 2006 بدورٍ بارزٍ في اطلاق عملية دمج المقاتلين السابقين الذين كانوا ينتمون إلى مجموعات مسلحة وشبه المسلحة في كولومبيا، وقد أجرى بيرل عام 2009 اتصالات سرية أدت إلى إرساء عملية السلام مع جماعة القوات المسلحة الثورية الكولومبية فارك وجيش التحرير الوطني، كما شارك ضمن الفريق الحكومي الكولومبي الذي وقع على اتفاقية السلام مع جماعة الفارك.
الانتقال من السلاح الى السلام: حالات عربية
ركزت أعمال الجلسة الأولى من الندوة على دراسة حالات عربية في كل من مصر والعراق وسورية. قدم خليل العناني دراسة بعنوان "تحولات جماعة "الإخوان المسلمون" في مصر: جدل العلاقة بين القمع والعنف والمراجعات". عالج فيها العلاقة بين القمع الذي تتعرض له الحركات الاجتماعية المعارضة للسلطة، من خلال نموذج الإخوان المسلمين في مصر، واستجابة أعضاء تلك الحركات لهذا القمع. كما حاولت الدراسة تجاوز الأطروحات والافتراضات الكلاسيكية والمختزلة حول العلاقة بين القمع والعنف إلى البحث في أسباب اختلاف استجابة أعضاء الحركات الاجتماعية للقمع.
في السياق ذاته، قدم حيدر سعيد دراسة بعنوان "جيش المهدي في سياق ظاهرة ما بعد الحزب". وقد حاجج سعيد بأن جيش المهدي لم ينشأ بوصفه ذراعًا مسلحة لتنظيم سياسي، وأن العلاقة بينه وبين التيار الصدري هي ليست كالعلاقة التقليدية بين الأحزاب الإيديولوجية التي تنشأ ثم تؤسس لها لاحقًا ذراعًا عسكريًا، بل إن الاثنين نشأا معًا. ويرى حيدر أن جيش المهدي يشكل إطارًا واسعًا وفضفاضًا لمجموعة من الوظائف، فهو ميليشيا، وهو تنظيم سياسي، وهو مؤسسة خدمات. كما يرى كثير من الباحثين أن النفوذ السياسي للتيار الصدري يتحقق من خلال ذراعه المسلحة، في حين أن الأطروحة الأساسية في هذه الدراسة هي أن التيار الصدري تطور بالاتجاه المعاكس، وأن مساره السياسي نما بإضعاف الفصيل المسلح، وليس تقويته، أي أن الميليشيا عُزلت لصالح الحزب، ولم يقو الحزب من خلال قوتها.
المداخلة الثالثة قدمها حمزة المصطفى بعنوان "من السلاح إلى المفاوضات: تقييم تحولات الحركات الإسلامية السورية: دراسة مقارنة بين "أحرار الشام"، و"جيش الإسلام"، و"فيلق الشام". وقد عرض فيها التغيرات الخطابية والسلوكية والهيكلية التي مست الحركات الإسلامية المسلحة في سوريا منذ التدخل الروسي في 2015 وتغير موازين القوى لصالح النظام السوري. وركز الباحث على نماذج أحرار الشام وجيش الإسلام وفيلق الشام في محاولة لاستقصاء آليات عملها السياسي ومحدداته وسياقاته الظرفية والبنيوية، وتقييم مدى تأثيرها في إستراتيجيتها الراهنة والمستقبلية.
تجارب في أوروبا لحركات وأحزاب مسلحة
عُنيت الجلسة الثانية من أعمال اليوم الأول بحالات الانتقال في أوروبا، وقد عالجت المداخلة الأولى التي قدمها غوردون كلوب تحت "عنوان انسحاب أم هزيمة؟ كيف انتقل الجيش الجمهوري الإيرلندي من السلاح إلى السلام"، على تحليل حالة الجيش الإيرلندي والانتقال الحاصل ما بعد اتفاق الجمعة العظيمة عام 1998 الذي نص على دعوة البروتستانت إلى تقاسم السلطة السياسية في إيرلندا الشملية مع الأقلية الكاثوليكية وتعطي جمهورية إيرلندا رأيًا في شؤون إيرلندا الشمالية، وبالتالي وضع حد للنزاع في صورة نهائية، وتحقيق التعايش السلمي بين طوائف إيرلندا الشمالية، وبينها وبين جمهورية إيرلندا.
أما المداخلة الثانية عرضها لنيك هاتشين بعنوان "التحولات بعد الهزائم؟ منظمة إيتا (أرض الباسك والحرية) في إسبانيا نموذجًا". وقد ركزت دراسته في بحث أسباب وظروف تحول إيتا من حركة انفصالية عنيفة إلى حركة سلمية. كما طرح في الدراسة تأثير سياسة مكافحة الإرهاب، إضافةً إلى النقاش الداخلي ضمن منظمة إيتا نفسها، في التحوّل الفصائل ضمن الحركة الانفصالية.
وقدم مراد يشلتاش دراسته الذي حملت عنوان "عندما لا تكون السياسة كافية: فهم فشل انتقال حزب العمال الكردستاني من النشاط المسلح إلى النشاط السياسي غير المسلح". وعرض فيها العلاقات بين الهوية والأمن والسياسة؛ كمدخل لفهم أسباب فشل عملية الانتقال من العمل السياسي المسلح الى العمل السياسي السلمي لحل القضية الكردية، ولإجراء تعديلات على حزب العمال الكردستاني في تركيا. وقد ركز الباحث على مسألة سياسات الهوية وعوامل الأمن، وكيف أسفرت عن معضلة أمنية دائمة بين تركيا والحزب.
أميركا اللاتينية والكاريبي
عالجت الجلسة الثالثة من أعمال الندوة حالات الانتقال من السلاح إلى السلام في أمريكا اللاتينية والكاريبي. وقدمت خلال هذه الجلسة أربعة دراسات تنوعت مواضيعها ومناهجها ونماذج التحول المدروسة خلالها. قدم الورقة الأولى ألدو مارشيسي وبعنوان "تحولات بعد الهزيمة: حالات حركة التوباماروز في الأورغواي واليسار المسلّح في تشيلي والأرجنتين". وحاول من خلالها التوصل إلى نموذج تفسيري مركب لنجاح التنظيمات السياسية المسلحة سابقًا في بلدان جنوبي أمريكا اللاتينية في التكيف مع الأنظمة الديمقراطية الجديدة خلال ثمانينات القرن الماضي.
وفي السياق ذاته، قدمت ماريا جيمينا دوزان دراسة بعنوان "إعادة الدمج السياسي للمقاتلين المسرَّحين في كولومبيا". وعرضت دوزان في بحثها نموذج الفارك في كولومبيا وعمليات التفكيك المبرمج الذي تعرضت له الفارك من الحكومة الكولومبية وما تلى ذلك من تسريح لمقاتليها وتحول جزء منهم في العمل السياسي.
أما المداخلة الثالثة التي حملت عنوان " من الحركة الثورية إلى الدولة الثورية: حالة كوبا"، حلل فيها سنتياغو بيريز السياق الذي تشكّلت فيه حركة "26 يوليو" الثورية في كوبا، واستعرض ملامحها والتقاليد السياسية للنشاطات الثورية الكوبية التي استمدت منها سلوكها. كما يعالج البحث سياق انتصار الحركة الثورية والتحولات التي حققتها الدولة الثورية في حقل الثقافة السياسية والتعبئة والأيديولوجيا والميادين الاجتماعية والتنظيمية، ومنها القطاعان العسكري والأمني.
واختتمت أعمال الجلسة الثالثة ببحث قدمه روبرتو كاخينا بعنوان "روح التغيير في جيش نيكاراغوا: ثلاث مراحل وثلاث هويات مختلفة"، حاول فيها الباحث تأطير المراحل المختلفة لتطور مؤسسة الجيش في نيكاراغوا وأسبابها والبيئة السياسية والاقتصادية المحيطة بها.
المصدر: ألترا صوت