ختتمت يوم السبت الموافق 7 آذار/ مارس 2015 في العاصمة التونسية أعمال الندوة العلمية التي نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فرع تونس تحت عنوان: "الانتخابات والانتقال الديمقراطي: مقاربات مقارنة". وشهدت جلسات المؤتمر على امتداد ثلاثة أيام (5-7 آذار/ مارس) نقاشات مهمة أثارتها الأوراق التي قدّمها نخبة من الأكاديميين والباحثين رفيعي المستوى في قضايا الانتخابات والانتقال الديمقراطي، والذين يُقدّر عددهم بنحو أربعين مشاركًا من مختلف مناطق العالم: الوطن العربي، وأوروبا، وأميركا الشمالية، وأفريقيا.
وتكتسب هذه الندوة أهميتها من السياق الاستثنائي لما تشهده المنطقة العربية من تحولات سياسية عميقة أدّت في حالات محدودة إلى تنظيم انتخابات كان التعاطي معها مختلفًا بين دولة وأخرى، وهو ما يمثل فرصةً نادرةً للبحث العلمي لمساءلة الظاهرة الانتخابية في سياق التحول الديمقراطي.
وقد افتتح مدير فرع المركز العربي للأبحاث في تونس الدكتور مهدي مبروك أعمال الندوة وتحدث عن أهمية الدور الذي سيضطلع به المركز في دعم البحث العلمي في مجال العلوم السياسية والاجتماعية وما سيوفره من خدمات للباحثين التونسيين والأجانب. كما عرض الدكتور محمد المصري في كلمته الافتتاحية الأهمية الراهنة للانتخابات في عملية التحول الديمقراطي خاصة في ضوء دورها المتناقض في البلدان العربية، فكان دورها مثبطاً للتحول الديمقراطي في بعض البلدان، فيما كان محفزاً في بلدان أخرى مثل تونس، واستعرض أيضاً دور المركز العربي منذ تأسيسه؛ سواء أكان ذلك على صعيد المؤتمرات أم المنشورات أم المشاريع البحثية المتعددة.
ويمثل انعقاد هذا المؤتمر العلمي الكبير إطلاقًا للأجندة البحثية للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فرع تونس الذي تأسس في أواخر عام 2014.
وتضمّن حفل افتتاح الندوة تكريم المركز العربي للسيد شفيق صرصار رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات؛ وأكد الدكتور مبروك على أنّ هذا التكريم يأتي في سياق جهد هيئة الانتخابات لإنجاح الانتقال الديمقراطي في تونس عبر تنظيم انتخابات حرة ونزيهة وما تقوم به الهيئة العليا من توفير بيانات للباحثين والأكاديميين لاستخدامها في إنتاج معرفة علمية موضوعية وفي فهم محددات السلوك الانتخابي لدى التونسيين.
وتضمنت أعمال المؤتمر محاضرةً افتتاحيةً للدكتور عياض بن عاشور بعنوان: "الشعب يبدع حقّه ويفسّر دستوره"؛ فتناول الثورة التونسية وما أدت إليه من صوغ الدستور الذي يعدُّ امتدادًا لعهد الأمان 1857 ودستور 1959. وعلى الرغم من الأجواء التي سادت أثناء صوغ الدستور والصراع الذي رافقه، فإنّ النتيجة كانت دستورًا متميزًا. كما أشار إلى أنّ الجانب القانوني هو الذي طغى خلال كتابة الدستور.
وركزت الأوراق التي نوقشت في هذه الندوة بالمجمل على فهمٍ مختلفٍ لتجارب الانتقال الديمقراطي وذلك من وجهة نظر مقارنة وفي ظل ما يحيط بها من رهانات سياسية واجتماعية. كما سعت إلى فهم أعمق للتحديات التي واجهها المسار الانتقالي في بلدان الربيع العربي وبخاصة في تونس؛ وذلك من خلال القراءة العلمية لمختلف تجارب الانتخابات سواء على الصعيد التشريعي أو العملي أو النتائج.
وتوزعت جلسات عمل الندوة على عددٍ من المحاور مثل: عراقيل الانتقال الديمقراطي في دول المغرب العربي، وتجارب مختلفة للانتقال الديمقراطي، وخصوصيات الانتقال الديمقراطي في دول الربيع العربي، والانتقال الديمقراطي: الفاعلون والرأي العام، والانتقال الديمقراطي والمسألة الدينية، والمسار الانتخابي: بروز النخب وتجددها، ومسارات الانتقال الديمقراطي ومحاذير الفشل، والانتقال الديمقراطي: التمثلات والثقافة والقيم.
وقد تابع أعمال هذه الندوة جمهور واسع من الجامعيين التونسيين وطلاب المرحلة الثالثة في العلوم الاجتماعية والإنسانية وممثلين من مختلف الأحزاب السياسة ومنظمات المجتمع المدني الذين أثروا النقاش بمداخلاتهم وتفاعلهم مع الباحثين والأكاديميين.
وحظيت الندوة بتغطية إعلامية مهمة في مختلف وسائل الإعلام الوطنية المسموعة والمكتوبة، وكانت خبرًا رئيسًا في بعض نشرات الأخبار الوطنية في تونس.