1. تبدأ مشكلة "نظرية المؤامرة" في التسمية، فهي ليست نظرية بل تفكير خرافي يفسر كل ظاهرة بقصة، حكاية ... تماما مثل الأساطير.
2. من الطبيعي أن يوقظ وباء فيروسي ظاهرة إنسانية أخرى تجعل منها وسائل الاتصال وباءً شديد العدوى، ألا وهو وباء الجهل غير الصامت، الجهل الناطق، المدّعي.
3. تسييس الأوبئة الفيروسية واستغلالها في ترجيح موقف سياسي هو مركب من الجهل وقلة الضمير.
4. ومن مظاهر هذا المركب الانقسام حولها بموجب محاور سياسية مثل امتداح الصين الاشتراكية (هي في الحقيقة رأسمالية ذات نظام حكم ديكتاتوري شمولي، أي تجمع "المجدَيْن" الرأسمالية والديكتاتورية)، وذم الدول الرأسمالية الديمقراطية، إيطاليا وإسبانيا نمادجًا.
5. الصين مصدر الوباء، وهذا لا يبرر تسميته العنصرية الترامبية بالفيروس الصيني فهو بيولوجي وليس صيني؛ مثلما من الخطأ الاستمرار في تسمية انفلونزا بداية القرن الماضي بالانفلونزا الإسبانية. ولكن تستر الصين على الوباء مدة طويلة أسهم بانتشاره خارج الصين أيضا. ولم تكتف بذلك، بل عاقبت الطبيب الذي حذر منه ومن تفشيه.
6. يحسب للصين سرعة ضبط الأوضاع ومحاربة الانتشار في بلدها. ولا يُنسى أن قدراتها الهائلة غير المتوفرة للكثير من الدول أسهمت في الأمر، وكذلك سهولة تنفيذ الأوامر والتحكم بالسكان فيها. في هذه الحالة يصبح الانضباط شبه العسكري، والتنفيذ بصمت وخضوع، الذي يميز النظام الشمولي "فضيلةً".
7. الدول الديمقراطية تأخرت في أخذ الوباء بالجدية اللازمة وهذا يحسب عليها وليس لها. ولكن ترددها في فرض منع التجوال والتحكم بحياة المواطنين واستخدام المناشدة في البداية بدلًا من الأوامر، وغيرها من المعوقات هي من مزايا "نوعية الحياة" الأفضل في المجتمعات في غير ظروف الطوارئ. الأنظمة السياسية لا تقيم بموجب سلوكها في حالات الطوارئ، خلافا للبشر الذين غالبا ما يظهر جوهرهم في حالات الطوارئ. علينا أن نميز بين طبيعة الأنظمة وطبيعة البشر. ولكنه، على كل حال، درس كبير لها أن تكون مستعدة لمثل هذه الحالات.
8. ينسى كثيرون في خضم المقارنات أن ارتفاع نسب الوفيات في شمال إيطاليا لا يعود فقط للإهمال وعدم الاستعداد الكافي، بل أيضا لارتفاع معدل الأعمار فيها ولارتفاع نسبة المسنين الأكثر تعرضا لمضاعفات الوباء. فنسبتهم مرتفعة في المناطق المتطورة اقتصاديًا وصحيًا.
9. ليس أمام الدول التي لا تتوفر لديها قدرات أميركا وأوروبا ولا قدرات الصين واليابان سوى أن تعمل ما في وسعها في الوقاية بالحجر وغيره بالاعتماد على توعية المواطنين وتضامنهم، بانتظار ان يكتشف غيرها اللقاح. فهل تفعل ما في وسعها فعلا؟
10. التنافس الحر الذي يتيحه المجتمع الحر واقتصاد السوق أساس الكثير من الابداع في الفكر والعلم والإنتاج. ولكن من سيئاته إخضاع صحة البشر له، بما في ذلك إنتاج الأدوية واللقاحات. إن الاستثمار بهدف الربح في صناعة الأدوية واللقاحات هو من معيقات تطوير لقاح سارس وكورونا وغيرها، مثلما كان وما زال من معيقات اكتشاف علاج أو علاجات للسرطان. فالاستثمار الرأسمالي يركز على الأدوية واللقاحات الأكثر استخداما وذات العائد المالي السريع. وهي تتنافس حاليا على اكتشاف لقاح كورونا لأنه جاذب للاستثمار من طرف الدول المعنية به لأسباب اجتماعية صحية غير ربحية، ورأس المال الذي يستثمر بهدف الربح.
11. النظام الرأسمالي قائم في روسيا والصين مثلما هو قائم في الولايات المتحدة وأوروبا، لكن الحرية السياسية والفكرية التي تتيح الإبداع قائمة في الدول الديمقراطية.
12. طيبة بعض الناس وطبيعتهم الخيرة تظهر في المخاطر والأزمات، ويقمع الخوف طيبة البعض للأسف مثلما يظهره عند البعض الآخر. ولكن ثمة أفراد لا يظهرون أي جانب خير في الأزمات لأنه ليس لديهم مثل هذا الجانب أصلا. ومنهم ترامب. فقد تجاهل الوباء بداية واستخف به، وسخر منه في مسلك رجولاني "ماتشوي"، ثم أصيب بالرعب من فقدان الأصوات فقام بخطوات مثل: استغلال الخوف من الوباء لتحويله إلى كراهية ضد الأجانب (الصين)، الدخول في منافسة طفولية مع الأوروبين: "من أسرع؟" و"من أفضل؟". حالته لا علاج لها حتى بعد إيجاد علاج لكورونا.
13. عسى أن تعبر البشرية هذه المحنة بسلام وبأقل خسائر ممكنة، وأن نتعلم منها بعض الأمور. وقد أتيحت لبعضنا فرصة العمل من البيت والاهتمام بالعائلة، والقراءة أكثر والتأمل وغيرها. وتعلم بعضنا تقدير من يعملون على تخفيف معاناة الآخرين. وتعلم كثيرون مواجهة التحدي بالتعاطف والتآلف والمحبة. ونأمل أن يتعلم آخرون أمورا مثل ضرورة الاستثمار في أمور غير آنية وغير ربحية وبعيدة المدى مثل تطوير لقاحات لأوبئة قد تحصل، وتجهيز المستشفيات والطواقم الطبية عددا وعدة لطارئ كهذا، وأيضا لمخاطر غير مرئية أخرى مثل تلوث البيئة. ونأمل أن يتعلم كثيرون من هذه المحنة أن البشر متشابهون أكثر مما هو مختلفون، وأننا بمعان كثيرة على نفس السفينة.