تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

حول حرب نتمنى ألا تقع

2007-04-20

ما أن عاد الجنوبيون الى أنقاض بيوتهم مسجلين النصر على العدوان الإسرائيلي على لبنان حتى دار نقاش حول الحرب الإسرائيلية القادمة، لأن المهمة لم تنفذ، كما يقال باللغة العسكرية المغلقة. وقد انطلق النقاش عادة من زاوية نظر حاجة الجيش الإسرائيلي ان يعيد الاعتبار لهيبة الردع لديه التي جاء العدوان على لبنان ليثبِّتها ففقدها. والحقيقة أنه حتى لو كانت استعادة هيبة الردع سببا كافيا للرأي العام الإسرائيلي أو للمؤسسة الصهيونية ( ويمكن إهمال الفرق بينهما) لشن الحرب في الماضي، فهي لم تعد كذلك حاضرا، وذلك بسبب الفشل في لبنان. ويصعب الإقناع بالعودة الى نفس الوسائل لتنفيذ نفس الأهداف قريبا، ناهيك عن عدم اكتمال نشوء المتغيرات المساعدة اللازمة على الأرض.
 

ويصعب على المؤسسة الإسرائيلية حاليا أن تجد التأييد داخلها أو في الرأي العام لشن حرب قريبة ضد نفس الأهداف، وذلك بعد فشل الحرب الأخيرة في تحقيقها. وكل النظريات الإسرائيلية المنشورة ( نقول المنشورة حتى لا نتهم من جديد ب"إعطاء معلومات للعدو"...) القائلة بأنهم سيبدأون في الحرب القادمة برا لا تغير شيئا، فربما تتمنى المقاومة اللبنانية أن تبدأ إسرائيل بما انتهت إليه المرة السابقة دون كل هذا الدمار والقصف الوحشي.
 

مع التحفظ أنه مع ذلك، ورغم ما قيل أعلاه، يجب عدم منح الأسباب لإسرائيل لشن هجوم انتقامي على لبنان، لأنها لن تفوت فرصةً للرد للانتقامي من الهزيمة أو على الاقل لكي لا تخلق سوابق جديدة على نمط تفاهمات نيسان، ومع التحفظ أن التحليل النظري أعلاه دائما محدود الضمان، فثمة مغامرين في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية والسياسية قد يقدمون على حماقات، وفي حالة إقدامهم على حماقات سوف يكتشفون قدرة على المقاومة لا تقل عما سجلته في صفحة التاريخ تلك... مع هذين التحفظين نقول انه يصعب منطقيا، إذا توفر المنطق طبعا، حساب إمكانية حرب جديدة على لبنان.
 

ولكن هذه الجملة غير كافية... والأدق أن نقول "يصعب توقع حرب على لبنان وحده"، وهذا يعني أن كل حرب قادمة سوف تكون حربا إقليمية. فإذا ضرب لبنان المرة القادمة سيمتد العدوان إلى سوريا، إما لأنه لن يكون مقنعا لأحد في إسرائيل ان المقاومة قادرة على الصمود دون سوريا، أو استباقا لتدخل سوري بات ممكنا، أو نتيجة لتقدير إسرائيلي في حالة الحرب أنه من الأفضل ان يحصل الاستباق قبل تعاظم القوة الدفاعية السورية الجاري الحديث عنها على لسان كل خبير وكل صحيفة في إسرائيل.
 

في هذه الحالة يسأل السؤال: هل تستطيع أن تقف إيران موقف المتفرج من حرب قد تتناول سوريا ولبنان وواضح أنها خطوة أولى لعزلها نهائيا في المنطقة؟ إيران ربما تقدر أنه إذا شنت إسرائيل حربا قادمة على لبنان، فإن ذلك مؤشر لحتمية الحرب الأميركية ضدها. الإجابة غير واضحة، ولكنها تحمل مخاطر. وهذا يعني إمكانية حرب إقليمية واسعة، وفي ظل الوجود الأميركي المكثف في الخليج والعراق. لم يعد مثل هذا القرار قرارا إسرائيليا تدعمه أميركا، بل بات قرارا أميركيا، تدعمه إسرائيل إذا طلب منها.
 

ولذلك نقول أن الحرب القادمة هي حرب إقليمية. ونحن نتمنى ألا تكون، ويجب منع وقوعها بكافة السبل. فالمنطقة مرهقة ومفجوعة بما يجري في العراق، ونسيج مجتمعاتها ذاته، ناهيك عن وحدة دولها، بات عرضة للتضرر مباشرة من الحروب...والحرب الإقليمية بتوفر سلاح الصواريخ، وبوجود دول تختلف عن العراق بعد عقد ونصف من الحصار، وتختلف عن أفغانستان بالتأكيد، سوف تكون مدمرة نتيجة لقدرة الدول المعنية على الرد والمقاومة، و"اضطرار" الولايات المتحدة على تفعيل "قوة نار" أكبر. هذا عدوان مكتوب له الفشل منذ الآن، فلماذا يتم إدراك ذلك فقط بعد وقوع الكارثة. 
 

يتفق معظم المعلقين العسكريين أنه بعد تحرك ناقلة الطائرات الثالثة نحو الخليج مؤخرا بات قرار شن الحرب أكثر واقعية، الجميع يكرر هذه الجملة التي تبدو سحرية، ولا ادري مدى صحتها، وهل الرقم ثلاثة سحري مثلا؟ في حالة خيار الولايات المتحدة سوف تكون إيران هي هدف شن الحرب، هذا واضح. ولكن التجربة الأميركية في العراق تؤكد انها لن تكون اجتياحا لإيران... الحديث هو إذا عن قصف أميركي ل"بنك أهداف" تم تجهيزه في إيران. 
 

وهذا بحد ذاته لا يمنح إيران إمكانية المقاومة مباشرة في العراق فحسب، وهي مفارقة عجيبة بالنظر لموقف إيران من المقاومة العراقية حاليا، ولكنه يمنحها قدرة الرد العسكري الكلاسيكي في مناطق أخرى. ومن هنا الخوف الصادق والفعلي من هذه الحرب عربيا. وطبعا نحن لا نتحدث عمن يتواطأ مرة أخرى لشن الحرب، فمثله لن يتعلم اي درس، وحتى لو تعلم الدرس هو ليس سيدا لاستخلاص العبر، ولا سيدا لقراره. ولكن بين نقاد إيران العرب من لا يريدون الحرب فعلا ويخشونها. ومع ذلك فإن السلوك العربي المعترض على الحرب ويخشاها فعلا، يحاول أن يضغط حاليا على إيران لكي لا تمنح اميركا سببا للحرب، ولكن ضغطه او حتى توسله من الاميركان الا يقعوا في خطأ شن الحرب مرة أخرى غير واضح تماما. وهذا ينتج معادلة خطيرة، بالنظر لطبيعة القيادة الإيراينية الحالية بشكل خاص: إذا لم تقبل إيران بالشروط الاميركية فسوف تشن الحرب. وهذه نبرة لن تقبل بها إيران، وهي تستطيع ان تدلل على أن القبول بالمنطق الامبراطوري واستسلام له أثبت أنه كارثي، وبإمكان الأنظمة العربية الناقدة للمشروع الإيراني ان تساهم أيضا في تليين الموقف الأميركي قبل أن يصل الى النقطة التي لا ينفع فيها الكلام، ويجب أن تعرف أميركا صراحة أنها تخشى من تبعات هذه الحرب وإسقاطاتها عليها. ولا شك أن حربا أميركية على إيران حاليا لن تعني إلا حرب بوش قبل ذهابه وإسرائيل في أزمتها الراهنة، لأن غالبية الرأي العام الأميركي المختلف عن رأي المؤسسة الحاكمة هذه المرة، خلافا لإسرائيل، تعارض الحرب. وقد تبين ان هنالك من يسرب أخبارا عن الحرب من داخل المؤسسة الأمنية الأميركية لصحفيين مرموقين في تلك البلاد لكي يكشف للجمهور ما يعد ويخطط وبحيث تسنح الفرصة لبلورة وتثوير رأي عام ضدها. ففي المؤسسة الأمنية الأميركية ثمة من يعرف ان الحرب قادمة وهو يعارضها ويريد منعها هذه المرة خلافا للمرة السابقة.
 

بعد فشل بوش في كل مكان نشأ خطر أن يشن حربا انتقامية على إيران مدفوعا بالتأكيد على أن الولايات المتحدة تصر على مواقفها في المنطقة، ولا تتراجع بل تنفذ ما تريد، ومدفوعا بموقفه، وهو نفس الموقف الإسرائيلي، من التسلح النووي الإيراني. وهو أيضا مدفوع بالرغبة في إثبات عدم تراجعه عن منطق محور شر رغم الفشل المدوي في العراق... هذه أيضا حرب يتم فيها تكريس النهج والمنطق الذي نشأ بعد 11 أيلول وآثاره بحيث لا يختفي مع فشل العراق. 
 

ثمة عناد غريزي لدى الضعيف لاعتبار كل هزيمة درسا يجب قبوله وتعلمه، وثمة عناد غريزي لدى القوي يرى في تعلم الدرس من التجربة قبولا بالهزيمة. ولكن أميركا باحتفاظها بقدرتها على شن عدة حروب في عدة مناطق في العالم رغم الفشل، وبرئيس كهذا يمكنها أن تسمح لنفسها ألا تستخلص العبر أو أن تتجاهلها. بوش يرفض قبول الهزيمة في العراق. أما المسؤولين الأكثر مسؤولية ولكي لا تفقد أميركا هيبتها تماما فيقبلون الاعتراف بالفشل في العراق ولكنهم يصرون على التمييز بين: "أميركا فشلت في العراق"، و"أميركا فشلت". وسوف يكلف هذا التمييز ثمنا باهظا مرة أخرى.
 

من ناحية أخرى، لا بد ان المسؤولين الإيرانيين يشكون ان من يحذرهم من خطر كهذا في فترة بوش العرجاء، إنما ينسق مع الأميركان بنصيحته لهم ببعض التراجع ليحقق بهذا الأسلوب دون حرب ما لا تستطيع اميركا تحقيقه من إيران، بالضبط لانها غير قادرة على شن الحرب. ومن هذه الزاوية، ربما يشك الساسة الإيرانيون أنه يتم تسريب الأخبار من المؤسسة الأمنية الأميركية للصحف وللصحفيين لغرض تخويف إيران من حرب واقعة لا محالة وتحصيل نتائج بتراجع إيراني دون شن حرب. وربما يكون هذا التقدير الإيراني صحيحا، ولكن هل تجوز المقامرة؟
 

ورغم جهل الكاتب بلغة القمار نقول: السؤال هو الثمن الذي يدفعه اللاعب ليترك طاولة القمار قبل ان يحصل مكروه. إذا فهم مثلا ان ثمن الانسحاب باهظ، فربما سوف يفضل أن يجازف.
 

واضح لإيران وسوريا أن الفترة التي يجب تمريرها هي فترة بوش، وهذا يعني سنتين من تجنب المواجهة. هل هذا ثمن مرتفع؟ إذا تم تسجيل سابقة تراجع كلي ومبدئي لتجنب المواجهة فسوف يكون هذا بنظرهم ثمن مرتفع: مثل ان تتراجع إيران عن التخصيب نهائيا، او أن تدعو سوريا لخيار السلام دون أن تحتفظ بخيار المقاومة. لانه يصعب فيما بعد على الغرب عموما قبول أي تغيير في الموقف الإيراني أو السوري لصالح العودة الى مشاريعها، وتصبح تحت رحمة استراتيجية التوسل يقابله طلب المزيد من التنازلات. 
 

ولذلك فإن التغيير يجب ان يكون مجرد إعطاء سلم يساعد من يريد النزول عن سقف التهديد بالحرب دون تسجيل الفشل الأميركي الكامل. ويسهل بعد ذلك بالتشخيص وبالعقل السليم رؤية هل سيطالب بالمزيد وهل يتحول هذا التغيير الى قتال إيراني تراجعي لا حدود له، ولا ينتهي الا بإرضاء أميركا في كل ما يطلبون. وبغض النظر عن النوايا الاميركية تترك النبرة الإيرانية رغبة لدى الجميع بسماع تغيير على الاقل بالنبرة واللغة. قد لا يكفي هذا التغيير ربما، ولكن إيران لن تخسر شيئا جوهريا، وقد تربح إذا عرضت مثل هذا التغيير في النهج. فهنالك قضايا لفت المشاريع الإيرانية بغلاف من الإيديولوجية جعلت حتى بعض المتعاطفين والرافضين لعدوان أميركي عليها يخشون تبعات المشروع الإيراني، وذلك من نوع ما انتقدناه سابقا من انشغال دون حق ودون حاجة بالهولوكوست، أو عدم الطمأنة المباشرة والسافرة حول عروبة العراق، وإبداء الحرص على الهوية العربية الواحدة لشيعته وسنته.