تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

السياسيون الغربيون والمرأة الشرقية والديموقراطية

2007-04-16

ليس التدخّل في شؤون الناس الخاصة، حتى لو كانوا قادة دول أو خصوماً سياسيين، شيمة من شيم الاهتمام الصحي بالحيز العام، إذ هو ليس بالضرورة دليل تسييس ولا دليل اهتمام بالشأن العام. فلا علاقة للاهتمام بالحيز العام باقتحام خصوصية الناس ما دامت لا تمت مباشرة لعملهم ولا تتضمن مخالفات جنائية، إلا إذا كان الهدف استغلال غرائز الناس وحب استطلاعها لتصفية الخصم شعبياً. والتدخل في حياة السياسيين الخاصة هو من نوع تدهور الصحافة حول السياسة والسياسيين الى نوع من مجلات النجوم التي تمتهن البصبصة وإثارة غرائز حب الاستطلاع لدى الجمهور بهذا الشأن.
 

ولهذا السبب استأت لأول وهلة من كثرة التعليقات على علاقة وولفوفيتس بفتاة ليبية الأصل. فليس هذا نقاشنا معه، وليست كل أداة جائزة في مقارعة الخصم، وخاصة تلك الأدوات التي يكرس استخدامها تخلّفنا.
 

ولكن ما لفت نظري جاعلاً من الولوج الحذر إلى شأن خاص كهذا أمراً مشروعاً، هو ليس فقط الترقية التي حازتها خليلته في إطار البنك الدولي بقفزة مرة واحدة وبغير الأصول المتبعة، ما أدى إلى مطالبة لجنة الموظفين في البنك الذي يرفع راية محاربة الفساد في العالم الثالث بإقالة رئيسهم، محافظ البنك الجديد، «المحافظ الجديد». وهذه الاتهامات تشكل عادة مبرراًَ كافياً لمناقشة الشأن الخاص لأنه أصبح عاماً، إذ زجّ المتهم به في الشأن العام. وهو مبرر مألوف لإطلاق الادعاءات والمطالبة بالعقوبات ضد كبار الموظفين والسياسيين، فالتمييز لمصلحة المقرّبين، المسمى في بلادنا واسطة، يكرس معايير لا علاقة لها بالموضوع، ولا بالكفاءة عند التعيين. وهذا مألوف لا يلفت النظر. ولا يختلف التمييز لمصلحة قريب خارج معايير الوظيفة والكفاءة والموضوع عن التمييز لمصلحة عشيقة، والمسألة لا تتعلق بخصوصية العلاقة وطبيعتها بل بتأثيرها في عدم اتباع المعايير والمقاييس الموضوعة والموحدة.
 

وقد أخيّب ظن القارئ إذ أقول إن ما لفت النظر هو أيضاً ليس ميل السياسيين الأوروبيين والساسة الأميركيين إلى «فتاة عربية»، هذا الميل الاستشراقي التافه الذي يتضمن في ما يتضمن رغبة من يعتبرون أنفسهم ممثلي الحضارة الغربية بتحرير المرأة الشرقية من نير الرجل الشرقي....
 

وهذا موضوع استشراقي معهود عاد وأثاره أخيراً في النفوس المرشح لرئاسة فرنسا ساركوزي. هذا الأخير لم يرمش في وجه التهمة بأنه محافظ ويميني ومعادٍ للمهاجرين، على رغم كونه من عائلة مهاجرين، وربما كان هذا هو السبب، يضاف إلى ذلك أن امرأة تنافسه على رئاسة فرنسا عن الحزب الاشتراكي، بل عاجل التهم والادعاءات بإعلان مفحم صفّقت له بعض النساء، بأنه إذا قيّض له الفوز فسوف يجعل من فرنسا ملجأ أميناً للنساء اللواتي يتعرضن للاضطهاد في البلدان الأخرى.
 

من الصعب أن يجد المرء كمّاً أكبر من «العصافير» يُصاب بتصريح واحد، تصريح كأنه انطلق من بارودة صيد بالخردق. أولاً، لم يتطرق المرشح إلى وضع المرأة أو حقوقها في بلده، ولا إلى حقوق المهاجرين رجالاً ونساء الموجودين أصلاً في بلده، وقد اشتهر بموقفه العدائي منهم، بل تعرض، ثانياً، للثقافات الأخرى بشكل مبطّن كثقافات معادية للمرأة، وثالثاً أعلن نظاماً من الوصاية على مقموعي المقموعين. فهو ممثل الرجل الأبيض الغربي ومخلّص المرأة الشرقية من غبن الرجل الشرقي عدوه وعدوها. استشراق للاستهلاك من أسوأ نوع في بلاد ربما يعتدي فيها جزء كبير من روّاد الحانات من مؤيديه اليمينيين على نسائهم. هكذا لم يتنازل ساركوزي عن رجعيته، ومع ذلك فقد اشترى لحظة من اللياقة السياسية التي تبدو تقدمية بسعر رخيص. 
 

وقد بادر أريئيل شارون في حينه الى موقف شبيه، إذ قصد ان يكون أول اجتماع يعقده كرئيس حكومة هو الاجتماع مع اتحادات النساء لدى انتخابه رئيساً للحكومة لأول مرة. فعندما يصبح امتحان الموقف من المرأة مبادرات من هذا النوع، والحرص على اختيار ألفاظ غير مهينة ولا تحطّ من شأن المرأة، يصبح من السهل نشوء يمين جديد «تقدمي» في كل ما يتعلق بقضية المرأة كمسألة هوية نسائية وتمثيل نسائي في الوظائف وغير ذلك، ولا يستطيع أحد ان يتبارى في هذا السياق مع السياسيتين اليمينيتين جولدا مئير وتاتشر في الماضي، والمستشارة الألمانية الحالية على صغرها، وغيرهن كثير.
 

لقد تعلّم اليمين الأوروبي كيف يتبارى لفظاً مع مصطلحات اليسار حول البيئة وحقوق المرأة. ولكن استشراقية ساركوزي وتعاطفه مع نساء العالم ضد مضطهديهم في خطاب انتخابي فاق حتى الفنع الانتخابية الأميركية.
 

وأخيراً ما لفت نظرنا عند وولفوفيتس الذي تجاوز الأصول وقوانين التوظيف في البنك الدولي، هو ليس رفع أجرة عشيقته الى 200 ألف دولار قبل إعارتها للخارجية الأميركية بحيث يستطيع ان يدّعي أنه أنهى وظيفة صديقته في البنك متجنّباً علاقة الرئيس والمرؤوسة ومطالباً بالموضوعية والشفافية، وأن يرفع أجرتها في الوقت عينه.
 

ما الذي لفت نظرك، إذاً، في كل مرة تكتب عن شيء يلفت النظر، وتلفت إليه النظر فعلاً ثم تدّعي انه ليس ما لفت نظرك، ما الذي لفت نظرك إذاً؟
 

ما لفت نظري هو أنه بعد رفع أجرها السنوي حاول نقلها إعارة الى وزارة الخارجية الأميركية للعمل في قسم نشر الديموقراطية ومكافحة الفساد في الشرق الأوسط.
 

يشبه هذا الموقف صورة الثقوب في جواربه عندما دخل لزيارة مسجد في استانبول، فهو يعبّر كثيراً عن نفسية صاحبه وعقليته. ولو تباهى وولفوفيتس كرئيس بنك دولي بالثقوب في الجوارب فسوف نجد أنفسنا أمام شخصية غير طبيعية بل عصابية تتفاخر بأمر كهذا لا يمكن ان يعتبر مبدأ مثيراً للتعاطف إلا عند من لا يخجل بفقره وهو ليس فقيراً، وإذا كان ذلك ناتجاً من إهمال فإنه يشير أيضاً إلى نفسية البخيل المولييري، والبخل صفة لا تأتي وحدها في الشخص، بل تأتي في عنقود واحد مع مجموعة من الصفات السيئة. ولكن جوارب وولفوفيتس هي فعلاً شأنه الخاص، وفقط جشع الكاميرا حوله الى موضوع نأسف أننا خضنا فيه، ولكن التشبيه التصويري مع موقفه الأخير كان مغرياً.
 

الإيديولوجية الداعية الى نشر الديموقراطية عند العرب فقط كأنها توزع بضاعة من دكان خاص يملكه المحافظون الجدد، هي إيديولوجية مثقوبة ومهلهلة مثل الجوارب المثقوبة. ولكنها هنا ليست مجرد خدعة إيديولوجية، ولا مجرد لعبة مفضلة عند راديكاليي المحافظين الجدد، ولا مجرد «جلجقة» و«تجلجق» للديموقراطية «الجلجوقة»، بل أصبحت أيضاً أداة «مصاحبة»، فكل سياسي لديه فتاة مقرّبة أو شاب نابه، ما عليه إلا تشغيله في شؤون نشر الديموقراطية في ديارنا. ولا حاجة إلى مؤهلات، إذ تكفي الرغبة في التقليعة والعمل حيث «تحصل الأشياء المهمة» حالياً في عالمنا، والرغبة في وعظ العرب. وقضية استعصاء الديموقراطية عربياً وتحول معالجتها الى تقليعة ورياضة روحية تحمل كل هذه «الجلاجيق». 
 

لا أدري كيف يمكن أن يكون رد فعل الصينيين لو شغّل الأميركيون عشيقاتهم وبناتهم في نشر الديموقراطية في الصين، مثلاً، العصية حتى الآن على الديموقراطية هي الأخرى. وكل شاب وفتاة يوظف أو توظف في مؤسسة لديها فروع في الخارج يحسب نفسه خبيراً في الديموقراطية لمجرد أنه ولد في دولة ديموقراطية لا فضل له عليها من قريب ولا من بعيد.
 

ذكرنا تشغيل خليلة في نشر الديموقراطية في العالم العربي، فلماذا قلت تشغيل بناتهم؟ بنت من؟
 

ابنة ديك تشيني. لقد وظف تشيني قبل عامين ابنته ليز تشيني في القسم نفسه لنشر الديموقراطية في الشرق الأوسط في وزارة الخارجية لكي تنظّر علينا. فهذا القسم الناجح جداً في نشر الديموقراطية كما يظهر على المنطقة، نجح على الأقل في عملية التوظيف. تشيني يوظف ليز، ووولفوفيتس يستغل الديموقراطية في الشرق الأوسط لكي يلز... وكل الجماعة وأنسباؤها وأقرباؤها مدعوون إلى وليمة الفساد والإفساد، وإلى ممارسة هواية نشر الديموقراطية في المنطقة العربية ووعظ العرب.

فهمت، فعلاً أمر لافت.