لم تبدأ أحداث 25 يناير الاحتجاحيَّة ثورةً، ولكنها بدأت بوصفها تحرُّكًا شعبيًّا غاضبًا ضدَّ ممارسة أجهزة الأمن، وهي نفسها التي يُدَّعى الآن أنَّها انضمَّت إلى ثَورةٍ جديدةٍ هي ثورة 30 يونيو. وقد انطلقت أعمال الاحتجاج في أجواء الثَّورة التُّونسيَّة، ولكن بعد تراكم تجربةٍ في مسارٍ مصريٍّ خاصٍّ. كان البوعزيزي المصريُّ هو خالد سعيد الذي قُتِل تحت التَّعذيب، وبعد قتله ادَّعت الشُّرطة والدَّاخليَّة في بيانٍ شبيهٍ ببيانات هذه الأيَّام، أنَّه تُوفِّيَ إثر ابتلاع "لفافة" مخدِّرات. واختير يوم الشُّرطة لكي يُعلَن يومًا للغضب.
كانت تظاهرة 25 يناير حركةً احتجاجيَّةً ضدَّ ممارسات الشُّرطة والأمن التي تبدأ بالضَّرب والتَّعذيب والاعتقال التَّعسُّفيِّ، وقد تنتهي بالقتل الذي يسبقه الكذب، ويتبعه الكذب أيضًا. والقتل والكذب توأمان في عرف أجهزة الأمن في أنظمة الاستبداد. إنَّها أجهزة الأمن نفسها؛ إذ لا شيء فيها تغيَّر، لا في السِّياسة والممارسة، ولا حتَّى في الإخراج. وقد ثبت ذلك مرَّاتٍ عدَّةً من خلال ممارساتها في المرحلة الانتقاليَّة، وتُوِّج ذلك في المجزرة الرَّهيبة التي رافقت عملية فضِّ اعتصام رابعة العدويَّة في 14 آب/ أغسطس، وما تلا ذلك من ممارسات[1]. ومن حقِّنا أن نفترض أنَّه بما أنَّها لم تتغيَّر، وبما أنَّ التَّحرُّك الشَّعبيَّ الأوَّل في 25 يناير كان موجَّها ضدَّها، فإنّ بقاءها من دون إصلاحٍ هو إفشالٌ لأحد أهمِّ أهداف الثَّورة، وإنَّها إذا تحرَّكت فإنَّما تتحرَّك ضدَّ هذه الأهداف؛ ويتلخَّص الفرق في أنَّه لم يعد بوسعها، من حيث الصّوغ، أن تفعل ذلك من دون تعبئةٍ "الشَّارع" وتجييشه، وذلك لأنَّ ثورة 25 يناير جاءت بكائنٍ جديدٍ اسمه "شرعيَّة الشَّعب".
فمنذ أن تجسَّدت شرعيَّة الشَّعب في مؤسَّساتٍ تمثيليَّةٍ منتخَبةٍ، حوَّلت القوى السِّياسيَّة المعارضة "شرعيَّة الشَّعب" إلى "شرعيَّة الشَّارع". واحتاجت أجهزة الدَّولة التي لم تتغيَّر إلى "شرعيَّة الشَّارع" لكي تتحرَّك ضدَّ سلطاتٍ منتخَبةٍ تمثِّل "شرعيَّة الشَّعب" الدِّستوريَّة. ومن سخرية التَّاريخ أنَّ القمع من دون مثل هذه الشَّرعيَّة يكون أقلَّ خطورةً من القمع الذي يستند إليها. فالأوَّل قمعٌ سلطويٌّ؛ والثَّاني قد يتحوَّل إلى قمعٍ فاشيٍّ يعبِّئ الشَّارع قاصدًا توجيه قطاعات المجتمع كلِّها في خدمة الهدف نفسه، فهو لا يترك النَّاس وشأنهم، بل يحاول أن يغيِّر مفاهيمهم بوسائل الدِّعاية المعروفة؛ وأهمُّها التَّحريض وشيطنة الخصم القائمَان على صناعة الكذب والشَّائعات وتشوية السُّمعة، وغالبًا ما يُستعان باستثارة المشاعر الوطنيَّة ضدَّ الأيدي الأجنبيَّة والمؤامرة لتخوين الآخر.
لقد تجنَّدت عوامل عدَّةٌ في حشد "شرعيَّة الشَّارع"، منها تفرُّد الإخوان بالحكم من دون خبرةٍ، ومنها أيضًا تجنُّد عوامل الثَّورة المضادَّة في الإقليم كلِّه لمساعدة جهاز الدَّولة وفلول نظام مبارك على إفشال التَّجربة الدِّيمقراطيَّة عمومًا، لا تجربة الإخوان وحدها. وعملت قطاعاتٌ واسعةٌ على تجهيز الشَّارع لهذا الدَّور؛ بعضها بدافع التَّضرُّر من حكم الإخوان، وبعضها الآخر بسوء نيَّةٍ، كالمتضرِّرين من ثورة 25 يناير. فلقد اجتمع المتضرِّرون من ثورة 25 يناير والمتضرِّرون من حكم الإخوان لخلق شرعيَّة الشَّارع التي احتاج إليها الأمن المصريُّ بأجهزته - وعلى رأسها الجيش - لكي يقوم بالانقلاب. وعمل الإعلام الخاصُّ والدَّعم الماليُّ الخليجيُّ بكثافةٍ لإنتاج التَّعبئة الإعلاميَّة وترويج أجواء الفشل والتَّشاؤم اللازمة لذلك. وعملت أحزابٌ معارضةٌ للإخوان على إزالة الحظر على التَّعاون مع الفلول ضدّ الإخوان، لأنَّه "لم يعد هنالك منذ اليوم فلولٌ"، أي منذ أن أصبحت جماعة الإخوان المسلمين العدوَّ الرَّئيس.
وظهر الشَّرخ منذ الاستفتاء على التَّعديلات الدُّستوريَّة الأولى في 19 آذار / مارس 2011، وإصرار الإخوان على تحويل الثَّورة فورًا إلى حكمِ أكبرِ حزبٍ سياسيٍّ، من دون مراعاةٍ لمخاوف قطاعاتٍ واسعةٍ من النَّاس من خطابهم الدِّينيِّ الإملائيِّ[2]، ومن دون محاولةٍ جدِّيَّةٍ لتبديد هذه المخاوف تتجاوز العلاقات العامَّة.
لقد شملت ثورة 25 يناير، بدايةً، آلافًا من الشَّباب الواعي والمقدام (وهما صفتان قلَّما تجتمعان في العمل السِّياسيِّ)، واتَّسعت في النِّهاية لتشمل ملايين المشاركين في أغلبيَّة محافظات مصر، ولكنْ ما من أحدٍ اعتقد أنَّ أعداد المتظاهرين والمعتصمين المشاركين فيها بأجسادهم كانت هي الأساس. وفي المقابل لا شكَّ في ضرورة توافر كتلة حرجة من المواطنين لكي تُسمَّى الثَّورة ثورةً شعبيَّةً بتوافر عناصر أخرى مهمَّة تعرِّفها بوصفها ثورةً، وقد كانت هذه الكتلة الحرجة الضَّروريَّة قائمةً، ولكن "عدّ الرُّؤوس" لم يكن أمرًا مصيريًّا؛ فأوّل العناصر المهمَّة في ثورة 25 يناير أنَّها كانت موحِّدةً لفئات الشَّعب المصريِّ كافَّةً (ما عدا الحزب الوطنيَّ وبعض الأحزاب والشَّخصيَّات الانتهازيَّة المعارضة المعروفة بالاسم، وهي التي كانت تعيش على تخوم الحزب الوطنيِّ في الهوامش التي أتاحتها دولة الفساد والاستبداد لها للعمل، لتحظى بمقابلة مسؤولٍ أو آخر، من حين إلى آخر)، وثانيها أنّ أعمال الاحتجاج الواسعة كانت جديرة بثورة، لأنَّها حوَّلت هدفها إلى تغيير نظام الحكم بحِرْفيَّةٍ ووضوحٍ لم تشهدهما الثَّورات عبر التَّاريخ إلَّا في مراحل متقدِّمةٍ من ثورة تونس: "الشَّعب يريد إسقاط النِّظام". وثالثها أنَّ جهاز الدَّولة بأكمله وقف ضدَّها، وعمل ضدَّها، بل إنه قد أعمل فيها القتل. وانحاز الجيش إليها بعد فترة تأهُّبٍ، أعقبتها فترة تردُّدٍ. لقد غادر الجيش ثكناته وحاصر ميدان التحرير موجِّها فوهات دبَّاباته إليها بأمرٍ من الرَّئيس، ولكنَّه أحجم عن إطلاق النَّار لأسبابٍ عديدةٍ؛ أهمُّها استعداده للتَّضحية بالأسرة الحاكمة لإنقاذ النِّظام إذا اقتضى الأمر، وتدخُّل الولايات المتَّحدة ضدّ إطلاق النَّار على المتظاهرين. ولهذا حوَّل فوَّهات المدافع والبنادق عن الميدان. ولكنَّه أتاح للآخرين فسحةً زمنيَّةً طويلةً لقمعها، بما في ذلك ما يُسمَّى "موقعة الجمل". وحينما كانت الشُّرطة والمباحث تقوم بالقمع والقنص، وحتَّى بتعذيب بعض المشاركين في الزَّوايا المظلمة حول الميدان، وحين كانت حثالات النِّظام السَّابق في صيغتهم العنيفة المعروفة بـ "البلطجيَّة" تعتدي على ساحات الثَّورة للتَّنكيل بشبابها وشابَّاتها، كان الجيش ينتظر النَّتائج.
في مقابل هذه المميِّزات الثَّلاث، لا نقاش في أنَّ تحرُّك 30 يونيو كان حركةً احتجاجيَّةً واسعةً، تدعو إلى تقديم موعد الانتخابات، وتنحِّي الرَّئيس بحجَّة جمْع ملايين التَّواقيع، ولكنَّ ذلك لم يجرِ ضدَّ النِّظام القائم، ولا ضدَّ أجهزة الدَّولة، بل بمشاركة أغلبيَّة جهاز الدَّولة في الحشد والتَّنظيم والتَّوقيع ضدَّ رئيس الدَّولة المنتخب. ولا شكَّ في أنَّ بيانات الجيش المصريِّ التي تؤكِّد حماية المتظاهرين كانت في الواقع دعوةً إلى التَّظاهر[3]. وكلُّ هذا قد حدث في نظام حكمٍ أنجزت الثَّورة إمكانيَّة تغيير رئيسه وبرلمانه بالانتخابات.
لقد غابت أمورٌ جوهريَّةٌ عن النِّقاش المتعلِّق بتسمية الأحداث الواقعة بين 30 حزيران / يونيو و3 تموز / يوليو 2013 التي تجمعها في حدثٍ واحدٍ رغم أنف الكثير من المشاركين في 30 يونيو الذين لا يؤيِّدون ما جرى في 3 يوليو، فبعضهم يعتقد أنَّ 30 يونيو شهد خروج حركة شعبيَّة، في حين وقع انقلابٌ عسكريٌّ في 3 يوليو. لكن يدور نقاشٌ سفسطائيٌّ بشأن هذين الحدثين الاثنين: أهما يشكِّلان ثورةً أم انقلابًا. ونقول سفسطائيٌّ لأنَّ المقصود ليس حلَّ إشكالٍ علميٍّ مصطلحيٍّ مفهوميٍّ بالوصول إلى نتيجةٍ يُصطلَح عليها، ولكن لأنَّ هدف القائل بالثَّورة هو إعلان موقفه الذي يؤيِّدها، وليس تعليل تسميتها؛ في حين أنّ من يكنِّيها انقلابًا هو مناهضٌ لها في الأغلب الأعمِّ. وهذا خلافٌ لا يُحَلُّ بالاتفاق على معنى المفهوم، ولكن بالتَّوافق على الموقف، ولا علاقةَ للتَّسميات بتوافر مقوِّمات هذا الاتفاق أو عدمه. ومن أجل تصوير المقصود، من المفيد أن نلقيَ نظرةً إلى مكانٍ لا يحتاج النَّاس فيه إلى تغطية مواقفهم من المسمَّيات بتغيير التَّسميات، لأنَّهم لا يصنعون المسمَّى، ولا الاختلاف على أسمائه. ففي إسرائيل مثلًا، يستخدم مؤيِّدو ما جرى في مصر من خلعٍ للرَّئيس وملاحقةٍ لتنظيم الإخوان المسلمين مصطلح انقلابٍ في وصفه، ومع ذلك فهم يؤيِّدونه؛ وذلك لأنَّ وصْف انقلابٍ عسكريٍّ لا يعني في نظرهم حكمًا معياريًّا. فهم يسمُّونه انقلابًا لأنَّه انقلابٌ، ويمتدحونه لأنَّه يضع حدًّا للمدِّ الإسلاميِّ، وللمدِّ الدِّيمقراطيِّ نفسِه أيضًا، بحسب رأيهم. وهم يرون أنَّ هذا مفيدٌ لإسرائيل، بغضِّ النَّظر عن نوايا الفاعلين، ويُجمِعون على فائدته هذه، ويسانده ساستُهم، ويضغطون على الغرب لمنع محاصرته.
ومن الجدير بالذِّكر في هذا السياق أنَّ سجال الخصومة السِّياسيَّ العربيَّ الرائج ما زال يخلط بين استفادة إسرائيل من فعلٍ، وبين اتِّهام الفاعل بالعمالة لإسرائيل، مثلما يسارع بعضهم إلى الحديث عن والدة الخصم "الحقيقيَّة" اليهوديَّة، وسَفر الخصم إلى إسرائيل... فمن ألدِّ أعداء ضحايا الاستبداد أنَّ خطابهم التَّشهيريَّ الإقصائيَّ المتخلِّف هو نفسه من نتاج الاستبداد.
ليست الثَّورة والانقلاب مفهومين علميَّين يقدِّمان لنا نماذج تفسيريَّةً لظواهر معقَّدةٍ كما يُفترَض أن تكون المفاهيم في العلوم الاجتماعيَّة، بل هما مصطلحان. ويُقال "مصطلحٌ" لأنَّه يُصطلَح عليه؛ أي يُتَّفق عليه في تسمية الظَّواهر والأشياء. وغاب عن النِّقاش العموميِّ بمجمله كلُّ ما اصطُلِح عليه حتى الآن. فمصطلح "انقلاب" يعني قلْب السُّلطة، ولا يعني قلْب نظام الحكم، بمعنى انقلاب أوساطٍ من النِّظام على أوساطٍ أخرى من النِّظام نفسِه، بوسائل غير دستوريَّةٍ. والعنصر الأهمّ هنا أنَّ أحد أجهزة النِّظام أو مكوِّناته ينقلب على الحاكم. وغالبًا ما يكون الهدف من الانقلاب هو الوصول إلى الحكم، وليس تغيير النِّظام. ومن الطَّبيعيِّ أن يكون الانقلاب عسكريًّا، فالطَّرف القادر على إطاحة السُّلطة من داخل النِّظام هو الجيش، أو جهاز الأمن على الأقلّ. أمَّا الثَّورة فغالبًا ما تكون تحرُّكًا شعبيًّا واسعًا من خارج النِّظام لتغيير نظام الحكم. وقد سُمِّيت بعض الانقلابات ثورةً، كما حصل في انقلاب الضُّبَّاط عام 1952 في مصر، لأنَّه انتقل إلى تغيير النِّظام بتأييدٍ شعبيٍّ. وللاستزادة نقول: إنَّ الضُّبَّاط في تلك الحالة بذلوا جهدًا كبيرًا للحصول على غطاءٍ شعبيٍّ حين ألغَوا الأحزاب، وحلُّوا البرلمان، وأزاحوا رئيس مجلس قيادة الثَّورة، محمد نجيب. ومن سخرية التَّاريخ أنَّ مظاهراتٍ خرجت تهتف بسقوط الأحزاب وسقوط الحرِّيَّات.
ليس الحديث هنا عن مفاهيم، بل عن مصطلحاتٍ. وبعد تجربة انقلاب عسكر تشيلي السيِّئ الصَّيت بقيادة بينوشيه على نظام ألليندي المنتخب، وتجارب أخرى في العالم الثَّالث، حدَّدت بعض قوانين الدُّول الغربيَّة الانقلاب بأنه انقلابٌ عسكريٌّ على حكومةٍ منتخَبةٍ، ومنعت القوانين حكوماتها من تقديم أيِّ مساعدةٍ لفعلٍ سياسيٍّ شبيهٍ به. وبهذا التعريفه أصبح هذا المصطلح يثير تداعياتٍ منفِّرةً بعد موجة التَّحوُّل الدِّيمقراطيِّ. فحتَّى الاتِّحاد الأفريقيُّ أصبح يقيِّد نفسه في مسألة الاعتراف بالحكومات التي تأتي من خلال الانقلابات. وبعض من ظلُّوا يعيشون بعقليَّة خمسينيَّات القرن الماضي لا يدركون مدى سلبيَّة التَّداعيات التي يثيرها انقلابٌ عسكريٌّ على نظامٍ منتخَبٍ، وبخاصَّة في دولٍ مرَّت بتجارب شبيهةٍ.
ومن هذه الحكومات التي تعرِّف الانقلاب العسكريَّ وتحظر تقديم العون له الحكومة الأميركيَّة التي كانت ضالعةً في تنظيم انقلاباتٍ في الماضي، كما هو الشأن في حالة تشيلي. ولذلك يسعى الحكَّام الجدد في مصر لإقناعها بأنَّ ما حدث ثورةٌ وليس انقلابًا، والدَّليل 30 يونيو. فإذا كان ما جرى في مصر انقلابًا عسكريًّا على حكومةٍ منتخَبةٍ، فإنه لا يجوز لحكومة الولايات المتَّحدة - من الناحية القانونيَّة - أن تقدِّم له المساعدة. ونحن لا نستبعد معرفة أجهزة الأمن الأميركيَّة بالتَّحرُّك الانقلابيِّ المرافق للتَّحرُّك الشَّعبيِّ قبل وقوعه. ولو نجح الانقلاب من دون أن يترك أثرًا لما كانت في الأمر مشكلةٌ سياسيَّةٌ، لأنَّ الرَّأي العامَّ ما كان لينشغل به كثيرًا. ولكنَّ سياسة القمع الواسع النِّطاق والمكارثيَّة السِّياسيَّة التي تلتْه، وممارسات أجهزة الأمن المصريَّة الفظَّة التي لم تتغيَّر، ولم تتجنَّب التَّنكيل، حتَّى بالصحفيِّين الأجانب، كفيلةٌ بإثارة التَّداعيات اللازمة والاهتمام اللازم.
والأهمُّ أنَّ الخطاب السِّياسيَّ المصريَّ يحتاج إلى كلمةِ ثورةٍ، وليس ذلك لإقناع الرَّأي العامِّ فحسب، بل لإقناع المشاركين في 30 يونيو ذاته بأنَّ ما قام به ضبَّاط 3 يوليو هو انضمامٌ إلى الثورة أيضًا، حتَّى لو لم يعلنها المشاركون فيها، وحتى لو اكتفَوا بالخروج للمطالبة بتقديم موعد الانتخابات. فلا بأس، إذن، من إعلانها ثورةً بأثرٍ تراجعيٍّ، فإعلانها ثورةً واحدةً تمتد من 30 حزيران / يونيو حتَّى 3 تموز / يوليو 2013، أفضل من اعتبارها تحرُّكًا شعبيًّا مطلبيًّا مشروعًا، جرى استغلاله غطاءً شعبيًّا لانقلابٍ عسكريٍّ في دولةٍ يمكن فيها تغيير الحاكم الفاشل بانتخاباتٍ ناجحةٍ. وهكذا جعلها الحكَّام الجدد: سياسيّوهم، وإعلاميّوهم، ومثقّفوهم، ثورةً بأثرٍ تراجعيٍّ، رغم أنف جزءٍ كبيرٍ من المشاركين في 30 يونيو الذين خرجوا لتقديم موعد الانتخابات، ولم يخرجوا ليحصلوا على قلْب الجيش للنِّظام. فهؤلاء ليسوا مسؤولين عن تواطؤ جزءٍ آخر من المشاركين كان على علمٍ بالتَّخطيط الأمنيِّ والعسكريِّ، وكان يشاور هذه الأجهزة في عمليَّة جمع التَّواقيع.
(2)
كما هو حال كلِّ ما في الثَّورة المصريَّة منذ بدايتها، نلتقي في كلِّ حدثٍ بنقيضين، ويطلُّ علينا من كلِّ نقيضٍ وجهان. ففي نظام مبارك وجْه التَّشدُّد في القمع، ووجه الثِّقافة السِّياسيَّة التَّشهيريَّة والاحتوائيَّة. وفي الثِّقافة الاحتوائيَّة مثقّفون ينظِّرون مباشرةً للقمع، وآخرون يجمِّلون النِّظام بشأن لجنة سياسات جمال مبارك. وبين هؤلاء وأولئك من أصبح في الزُّمرة المقرَّبة من النِّظام، ومن لم ينلْ حظوةً، وأصبح يعدّ لبراليًّا لأنَّه صار نقديًّا وأصبح ضدَّ التَّوريث. وفي مقابل انحطاط الثَّقافة والسِّياسة في نهاية عهد مبارك، جاء ميدان التَّحرير، بين 25 كانون الثاني / يناير و11 شباط / فبراير 2011، ليقدِّم وجهًا نيّرًا للمجتمع المصريِّ. وفي مقابل هذا الوجه برزت ظاهرة حثالة المجتمع وغوغاء المدن التي تسمَّى في مصر بـ"البلطجيَّة". وفي مقابل الهجوم المنظَّم الباهر على قلاع نظام مبارك في الأسبوعين الأسطوريَّين جاء أيضًا الانسحاب غير المنظَّم من السَّاحات، وتفرّق الثُّوَّار أيدي سبأٍ بعد تنحِّي مبارك. ومثلما وصل إلى الحكم رئيسٌ مدنيٌّ منتخَبٌ أوَّل مرَّةٍ، لا يمكن لأيِّ باحثٍ تجاهل حقيقةٍ بارزةٍ، هي أنَّه في الواقع لم يحكم. ومثلما جرت خمس عمليَّات اقتراعٍ نزيهةٍ خلال أقلَّ من عامين، فإنَّ الدُّستور الذي نجم عنها لم يكن مدنيًّا على نحوٍ كاملٍ، ولم يكترث الإخوان لإصرار الآخرين على خروجه بإجماعٍ وطنيٍّ، وكانت أجزاءٌ من البرلمان المنتخب مستعدَّةً للانقلاب على الانتخابات التي خسرت فيها. كذلك كان للأحداث التي انتهت بانقلاب 3 يوليو العسكريِّ وجهٌ آخر، هو وجه مظاهرات 30 يونيو الشَّعبيَّة المليونيَّة.
ومهما بالغ أصحاب الشَّأن في تقدير أعداد تلك المظاهرات، وفي فرْض أرقامٍ خرافيَّة من عشرات الملايين على الخطاب الإعلاميِّ لزرعها في الأذهان بهدف ترجيح كفَّتها على الأغلبيَّة الدِّيمقراطيَّة (مع أنَّ المقارنة بين الأمرين ليست عدديَّةً)، فإنَّها ظلَّت مظاهراتٍ عظيمةً حاشدةً، بلغت المشاركة فيها الملايين. وحتى لو لم يتجاوز عددها الثلاثة ملايين أو الأربعة، فإنَّها تبقى سابقةً من النَّوع الذي تسجِّله مصر - مرَّةً بعد مرَّةٍ - في تاريخ الثَّورات في العالم. ولقد حاول بعضهم أن يُثبت أنَّ عنصري الإعداد والإخراج لم يغيبا عن مظاهرات 30 يونيو، وهذا صحيح. ولكن حتَّى لو ساهمت في إعدادها أجهزة الأمن وأجهزة إعلامٍ مملوكةٌ من رجال أعمالٍ مموَّلين من فساد نظام مبارك ومن أنظمةٍ خليجيَّةٍ ناصبت الثَّورات العربيَّة جميعها العداء (ما عدا الثَّورة السُّوريَّة، لأسباب خاطئة)، يبقى عددٌ كبيرٌ جدًّا من المتظاهرين بدوافع عادلة. فهؤلاء إمَّا أنهم متضرِّرون من حكم الإخوان المسلمين، أو معتقدون أنَّهم يكملون طريق الثَّورة. ومن دون هؤلاء ما كان ليوم الثلاثين من يونيو أن ينتج ما أسماه العسكر وأبواقه من الإعلاميِّين لاحقًا "شرعيَّة الشَّارع". فلم يكن بوسع فلول النِّظام السَّابق أن يستعيدوا شرعيَّتهم من دونهم، ولو نزل ناخبو أحمد شفيق إلى الشَّارع بالملايين، وقد خرجوا بالملايين فعلًا في 30 يونيو.
لم يحظَ مرسي بأغلبيَّةٍ شرعيَّة في مصر يوم 30 يونيو وفي الأسابيع التي سبقته. ولكن بدل التَّعبير عن ذلك بتغييره في انتخاباتٍ، وقع انقلابٌ عسكريٌّ كان أوّل ما فعله هو تعليق الدُّستور، وإحلال حكم القوَّة محلَّ حكم الشَّرعيَّة الدُّستوريَّة والشَّعبيَّة. فلم يعد الموضوع موضوع شرعيَّةٍ، بل أصبح السُّؤال هو سؤال القوَّة القديم قدم السِّياسة. ومن هنا يبدو النِّقاش المتعلّق بالتَّفاصيل منذ ذلك اليوم عبثيًّا. وأصبح الهدف هو المهمُّ. ولم يهتمَّ مؤيِّدو الانقلاب كثيرًا بالوسائل وبالدَّوس على حقوق الإنسان، وبإنكار القتل، إذ إنّ منطق الفعل السِّياسيِّ الحاليِّ الذي علَّق الدُّستور ومعه قيم ثورة 25 يناير وإنجازاتها، هو النَّتائج، بغضِّ النَّظر عمَّا يلزم من قمعٍ وقتلٍ وحتَّى إبادة، ومن دون اكتراثٍ فعليٍّ لِما يفكِّر فيه الآخرون بشأن خرْقِ حقوق الإنسان والمواطن. ولم يعد القانون يحمي أحدًا من المخالفين في الرَّأي. وبدلًا من أن تحميَ سلطة القانون ظهر المخالف في الرأي، أصبحت تطعنه في ظهره بتلفيق التُّهم الجنائيَّة بسبب خلافٍ سياسيٍّ، وراحت تحمي الغوغاء عند اعتدائها عليه، بدلًا من أن تَقِيَهُ إيَّاها.
نحن أمام دولةٍ ما زالت تتصارع فيها قيم الثَّقافة الدِّيمقراطيَّة والأصوليَّة الدِّينيَّة، وثقافتا الخنوع والكرامة الإنسانيَّة، وثقافتَا الحرِّيَّات وقمع الحرِّيَّات، وغيرها. نحن أمام دولةٍ لم تتَّضح فيها وكالةٌ اجتماعيَّةٌ قويَّةٌ لصيرورة التَّحوُّل الدِّيمقراطيِّ بعدُ، وما زال عمودها الفقريُّ تنظيم الجيش. أمَّا أحزابها فلا تحمل تيَّاراتها الأساسيَّة ثقافةً ديمقراطيَّةً، حتى يحكم أيٌّ منها وحده حكمًا ديمقراطيًّا، ومع ذلك لا يمكنها أن تتَّفق على تعدُّديَّة يوازن فيها كلٌّ منها الآخر ويضع له حدودًا، كي يُستعاض بالضَّبط والرِّقابة المتبادلَيْن (وليس الإقصاء) عن الثَّقافة الدِّيمقراطيَّة التي تضمن الضَّبط الذَّاتيَّ. وأخيرًا، نحن إزاء دولةٍ لم يقبل جيشها الوطنيُّ بعدُ بدوره في حماية الدِّيمقراطيَّة، وما زال يريد أن يمليَ إرادته في ما يتعلَّق بنظام الحكم في الدَّولة، إن لم يحكم مباشرةً. وأمامنا مجتمعٌ سياسيٌّ ضعيفُ الأحزاب – في ما عدا حركة الإخوان المسلمين -؛ مجتمعٌ سياسيٌّ بلا ثقافةٍ لبراليَّةٍ أو ثقافةٍ ديمقراطيَّةٍ عميقةٍ، ولذلك يستعاض عنها بالخلط غير المبرَّر بين العلمانيَّة واللبراليَّة. فكلُّ علمانيٍّ صار يسمَّى لبراليًّا حتى لو كان فاشيًّا، أو نيولبراليًّا لا تعزُّ عليه التَّضحية بأيِّ قيمةٍ من قيم الحرِّيَّات والدِّيمقراطيَّة.
وبعد تفرُّق الثُّوَّار من دون إقامة تنظيمٍ لهم، لم تفهم القوى السِّياسيَّة المعارضة بعد ثورة 25 يناير أنَّ من الضَّروريِّ أن تجري عملية تحديد شكل نظام الحكم بمشاركتها جميعًا، وبالتَّشاور مع الثُّوَّار وليس مع النِّظام، وأنَّ هذا يتطلَّب وحدةً وطنيَّةً تفرض نفسها على جهاز الدَّولة، لأنَّ الأحزاب لا تستطيع كسْره، ولا ترغب في ذلك، ولا في اجتثاث عناصر الحزب الوطنيِّ منه. ولذلك، لا بُدَّ من فرض تسويةٍ تاريخيَّةٍ بشأن النِّظام، بما في ذلك الجيش، بحيث يقبل فيها بمبادئ الحكم الجديد. ولهذا الغرض، لا بُدَّ من الاتِّفاق على هذه المبادئ وفرضها في وحدةٍ وطنيَّةٍ، على ألّا تجريَ الانتخابات إلَّا بعد التَّأكُّد من الإجماع عليها. وفي هذه الأثناء، تنفِّذ حكومة الوحدة الوطنيَّة مطالب عديدةً للثَّورة غير الانتخابات؛ ومنها: احترام حقوق المواطن، وتغيير ممارسات أجهزة الأمن بإصلاحها إصلاحًا جذريًّا، ومكافحة الفساد، وإصلاح القضاء. وهي مهمَّات ملحَّةٌ قبل التَّنافس الانتخابيِّ. وهي مستحيلةٌ من دون وحدةٍ وطنيَّةٍ، إذ لا يمكن القيام بهذه المهمَّات الكبرى في ظلِّ تنافسٍ انتخابيٍّ لا يضبطه سقفٌ يتألَّف من هذا النَّوع من المهمَّات المشتركة، ولا يقف على قاعدةٍ مشتركةٍ هي مبادئ نظام الحكم الجديد. وفي النِّهاية، كان اعتبار التَّنافس الانتخابيِّ بين قوى المعارضة معركةً رئيسةً بدلًا من اعتبار تغيير النِّظام القديم المعركة الرئيسة كفيلًا بشرعنة تحالف كلِّ طرفٍ مع أجهزة النِّظام السَّابق وفلوله ضدَّ الطَّرف الآخر.
ومن هنا، ومنذ نهاية ثورة 25 يناير - بانفضاضها غير المنظَّم بعد تنحِّي مبارك - اتَّصفت المرحلة الانتقاليَّة بقدرة جهاز الدَّولة وفلول النِّظام السَّابق على توسيع هامش المناورة باستمرارٍ، نتيجةً لتفرُّق الثُّوَّار وفُرقة الأحزاب التي نصَّبت نفسها ورثةً للثَّورة. وجرى قصْر الثَّورة على تسميةٍ هي "شباب الثَّورة" الذين يجري احتواؤهم طورًا، ونبذهم طورًا آخر. وتُركت لهم مهمَّة العودة إلى الميدان احتجاجًا، مرَّةً على عدم محاكمة الرَّئيس، ومرَّةً على استمرار حكم العسكر، ومرَّاتٍ بناءً على أجندةٍ معارضةٍ ضدَّ أجندةٍ معارضةٍ أخرى.
وحين حكم أحد هذه الأحزاب بأغلبيَّةٍ انتخابيَّةٍ، سارع إلى التَّصرف مثل أيّ ائتلافٍ حاكمٍ يقرِّر وحده، كما لو أنّه كان في دولةٍ ديمقراطيَّةٍ عريقةٍ، وإلى التأكيد يوميًّا أنَّ من حقِّ المعارضة أن تعارض، ومن حقِّه أن يحكم. ولم يفهم - على الإطلاق - قضيَّة الشَّراكة والوحدة الوطنيَّة التي يحتاج إليها فعلًا في مواجهة جهاز الدَّولة القديم على الأقلِّ. وفي المقابل، تصرَّفت المعارضة بوصفها معارضةً فقط، ولم تتصرَّف بوصفها مسؤولًا عن التَّحوُّل الدِّيمقراطيِّ. ومن هنا فإنَّ مهمَّتها هي الإفشال فقط، أمَّا إنجاح التَّجربة الدِّيمقراطيَّة فليس من مهمَّاتها. وسرعان ما قاد هذا إلى شرعنة التَّحالف مع الفلول والنِّظام القديم، وما لبثت الثَّورة أن تحوَّلت إلى عكسها حين أصبح "النَّجاح" حليف من تقبل به الفلول والأجهزة، لا حليف من يقبل بها.
(3)
لم تغيِّر ثورة 25 يناير نظام الحكم فحسب، بل أطاحت بالأسرة الحاكمة، علاوةً على مبارك وخطَّة التَّوريث، وذلك بأجوائها الثَّوريَّة، والإجماع العالميِّ حولها، وعدم انصياع الجيش لأوامر الرَّئيس. وأُطلِقت خلال ذلك موجةٌ من الوعي العقلانيِّ والقيميِّ للعدل والحرِّيَّة، يحملها عددٌ كبيرٌ من جيل شباب الثَّورة، يصعب علينا أن نصدِّق أنَّه بالإمكان إفساده بصناعة الدِّعاية الإعلاميَّة. وما إن انفضَّت الاعتصامات، خلال شباط / فبراير 2011، حتَّى تبيَّن أنَّ جهاز الأمن بقيَ على حاله، وأنَّ الجيش هو الجيش بالقيادة نفسها، وأنَّ قطاع الأعمال لم يطرأ عليه تغييرٌ يُذكَر، وأنَّ القضاء بقيَ قضاء مبارك، وليس حتَّى القضاء الذي تمرَّد على مبارك بعد انتخابات عام 2005، بل أولئك الذين عيَّنهم مبارك ضدَّ القضاة الذين تمرَّدوا عليه. فهذا الجهاز القضائيُّ الذي ظلَّ في مكانه بعد ثورة 25 يناير هو قضاء نظام مبارك، ولكنَّه احتمى بسمعة أولئك القضاة الشُّجعان الذين وقفوا ضدَّ تزوير الانتخابات، وتبرئة الفاسدين، والذين تنكَّر لهم هذا الجهاز نفسُه الذي حاول أن يستخدم أعمالهم لتنظيف نفسه تحت كليشهات مثل "قضاء مصر العريق" و"قضاء مصر الشَّامخ".
وبدا على امتداد أيامٍ أنَّ إعلام النِّظام السَّابق سوف يخرج من الصُّورة. وتناقلت وسائل الإعلام أخبار عويلٍ في أروقته، ثم ما لبثت الثَّورة أن وقعت ضحيَّة انسحابها المبكِّر من الشَّارع ورهينة خطابها المطالِب باستقلال القضاء وحرِّيَّة الإعلام، وكأنَّ المقصود بحرِّيَّة الإعلام هو حريَّة إعلام الفلول، وكأنَّ استقلال القضاء شعاراتٌ أوجدت لمنع محاربة الفساد في القضاء، مع أنّ فساد القضاء هو ألدُّ أعداء استقلاله. ولهذا، وفي غياب قوىً سياسيَّةٍ منظَّمةٍ أمينةٍ على قيم الثَّورة، احتمت فلول النِّظام من الثَّورة بشعارات الثَّورة، وباستعطاف شبابها غير المتمرِّس الذي تشتَّت في كلِّ الاتِّجاهات ليحظى بلقاءٍ مع هذا الضَّابط وذاك من هيئة الأركان، وبلقاءٍ في هذا الـ"توك شو" التِّلفزيونيِّ أو ذاك من برامج فلول مبارك، وبالكثير الكثير من زوَّار مصر من السَّاسة الغربيِّين.
وبما أنّه لم تكن ثمَّة ثورةٌ منظَّمةٌ يتبعها تنظيمٌ ثوريٌّ يحافظ على مكتسباتها ويتابع عمليَّة تحقيقها، فقد جرى احتواء قسمٍ كبيرٍ من جمهور الثَّورة، وتعدَّدت مصائر قياداتها الشَّابَّة بين الرَّاديكاليِّ (تعويضًا عن بؤس الواقع بالخطاب الحادِّ)، وذلك المتأقلم مع بؤس الواقع بخطابٍ بائسٍ، والثَّالث اليائس، وبعض من حاولوا حثيثًا الحفاظ على قيم الثَّورة في أحزابهم، وآخرين واصلوا النِّضال وأقاموا هيئاتٍ ومنظماتٍ فاعلةً. وبالمجمل، لا يمكن لومهم على شيءٍ من هذا، فالحديث هو عن شبابٍ اجتمع ليحتجَّ، وصنع ثورةً بوعيٍ وشجاعةٍ، ولم تكْفِ أسابيع قليلةٌ عاشها في الميدان لإحداث الثِّقة واللُّحمة الفكريَّة، وحتَّى القيميَّة، اللازمة لإقامة تنظيمٍ ثوريٍّ يصل إلى الحكم، أو يفرض قيم الثَّورة على الأحزاب.
مذَّاك، لم تعد كلمة "الشَّعب" تعني الثُّوَّار الذين واجهوا النِّظام بوعيهم، والرَّصاص بصدورهم العارية، بل أصبح الشَّعب هو الشَّعب الذي حرَّرته الثَّورة، وأتاحت له المشاركة سياسيًّا بوعيه هو، لا بوعي الثُّوَّار. إنَّه الشَّعب المعرَّض لوسائل الإعلام قبل الثَّورة وبعدها، وقد تعرَّض الشَّعب لخطابها فترةً قصيرةً، قبل أن تحتويَ وسائل الإعلام هذا الخطاب وتحرِّفه لمصلحتها، وحين أصبح حتَّى أعداء الثَّورة هم الفاعلين والمتحدِّثين باسمها لاكتساب شرعيَّةٍ في مقاومة نتائجها.
انتهت ثورة 25 يناير بأجواء ثوريَّة، ووعود بالحرِّيَّة والعيش والعدالة الاجتماعيَّة تشبه وعود الخلاص؛ ولكن بجهاز الدَّولة نفسه، ومجلسٍ عسكريٍّ يديرها في مرحلةٍ انتقاليَّةٍ، وتنظيماتٍ حزبيَّةٍ لم تصنع الثَّورة، وبعضها اعترض عليها علنًا[4]، ورأى الحوار مع عمر سليمان إنجازًا، وحوارًا مع "شخصيَّةٍ نظيفةٍ" يمكنها أن تكون وريثًا لمبارك[5]، وكان تنظيم الإخوان المسلمين من بين المتردِّدين، بينما صنع شبابه، مع آخرين من غير الحزبيِّين وقليلٍ من شباب الأحزاب الأخرى، الثَّورةَ بشجاعةٍ وحكمةٍ وبراعةٍ في التَّنظيم، ولكنَّهم خرجوا إلى الشَّارع على مسؤوليتهم.
انتهت ثورة 25 يناير بتوقُّعات مرتفعةٍ لجماهير تملأ الشَّوارع صخبًا، فقد درج التَّظاهر وأصبح أمرًا غير مكلفٍ، وأصبح كلُّ ذي مطلبٍ متظاهرًا. وبرزت أحزابٌ غالبيَّتها السَّاحقة كانت جزءًا من النِّظام القديم؛ فقد كانت تُسمَّى معارضةً إلَّا أنَّها عاشت معه، وعاش معها، وأصبحت العلاقة بينهما علاقة حبٍّ وكرهٍ حميميَّةً؛ إذ ترك جهاز الأمن المصريُّ المجال لعمل الأحزاب حتَّى حدٍّ معيَّنٍ، يُستثنى من ذلك الإخوان المسلمون الذين عاداهم النِّظام وعادَوه، ولكنَّهم لم يكونوا حزبًا ثوريًّا في يومٍ من الأيَّام. وكانوا يحبِّذون لو أنَّ نظام مبارك لم يعادِهم ومكَّنهم من العمل الدَّعويِّ، ومنحهم اعترافًا وشرعيَّةً. فجماعة الإخوان المسلمين تنظيمٌ دعويٌّ إصلاحيٌّ في المجتمع والسِّياسة، وليست تنظيمًا ثوريًّا. أصبح هذا كلُّه معروفًا، ومعروفٌ أيضًا أنّهم يُعِدُّون المجتمع وأنفسهم بنفَسٍ طويلٍ للوصول إلى "حكمٍ إسلاميٍّ"، بغضِّ النَّظر عن معنى هذا المصطلح، ولكنَّهم لا يسعَون للوصول إلى الحكم عبْر تهديد النِّظام السِّياسيِّ والاجتماعيِّ، وليسوا ممن يكفِّرون الحاكم المسلم.
(4)
ما ليس مطروقًا أو مبحوثًا بالدَّرجة التي يستحقُّها هو أمرٌ آخر متعلِّقٌ بطبيعة تنظيم الإخوان وثقافتهم التَّنظيميَّة. فالإخوان تنظيمٌ من عشرينيَّات القرن الماضي، مرحلة انتشار الأحزاب الشُّموليَّة. وهو يشبه في تركيبته تركيبة الأحزاب الشُّيوعيَّة. إنَّه تنظيمٌ مركزيٌ شموليٌّ يتوقَّع من أعضائه تكريس أنفسهم على نحوٍ كامل للحزب؛ وبمقاربة للدُّنيا تتطابق مع خدمة الدِّين أيضًا. فالتَّنظيم لا يقدِّم مجالًا للنَّشاط السِّياسيِّ والتَّعبير عن الموقف السِّياسيِّ فحسب، ولكنَّه هو بيئتهم الاجتماعيَّة، وناديهم الثِّقافيُّ، وبوصلتهم الفكريَّة، وحزبهم السِّياسيُّ أيضًا. ومع انتقال حركة الإخوان المسلمين من "محنةٍ" إلى أخرى، تحوَّل التَّنظيم، في رأيي، إلى ما يشبه الفرقة الدِّينيَّة، ولا سيَّما في الثَّقافة السِّياسية والشُّعور بالاضطهاد.
ولا تُقاس قوَّة أيِّ حزبٍ بعدد أعضائه فحسب، ولكن بحسب القطاعات الاجتماعيَّة التي تدعمه أيضًا، فلا شكَّ في أنَّ الحزب الجماهيريَّ يحتاج إلى كتلةٍ مهمَّةٍ من العضويَّة النَّشطة، ولكنَّ الهدف هو أن يشكِّل هؤلاء الأعضاء طليعةً لحركةٍ جماهيريَّةٍ واسعةٍ أوسع من الحزب نفسه. ومن هنا ينشط أعضاء الحزب في مجتمعاتهم ومرافقها من مؤسَّساتٍ ونقاباتٍ، ولا يشكِّلون مجتمعًا قائمًا بذاته، منفصلًا عن المجتمع، فهم بذلك يتحوَّلون من حزبٍ إلى طائفةٍ. كانت جماعة الإخوان منغلقةً قيميًّا وتنظيميًّا، ومنفتحةً في العمل الجماهيريِّ. واستمرَّت هذه الازدواجيَّة مرحلةً طويلةً حتَّى ثورة 25 يناير. فهي حزبٌ جماهيريٌّ ينشط أعضاؤه في النِّقابات والعمل الخيريِّ، ويحيطون أنفسهم بشبكة دعمٍ اجتماعيٍّ لفئات المجتمع الفقيرة، بل إنَّهم قد امتازوا بهذا العمل، ولكن في قلْب هذه الشَّبكات الواسعة كَمَنَ تنظيمٌ داخليٌّ حديديٌّ غير منفتحٍ على النَّاس، لا يثق إلَّا بأعضائه. وتقولب هذا التَّنظيم وتحوَّل إلى حالةٍ اجتماعيَّةٍ عميقةٍ متوارَثةٍ، لها رموزٌ وتراثٌ وحكاياتٌ تُتناقَل من جيلٍ إلى جيلٍ، كما يتوارث النَّاس الانتماء الطَّائفيَّ[6].
وكسر عددٌ من شباب الإخوان في جيلهم الأخير هذا النَّمط من التَّنظيم، وخرجوا في أعمالٍ سياسيَّةٍ، تكاد تكون "مغامِرة"، مع شبابٍ من فئاتٍ واسعةٍ، وربطوا مصيرهم بمصائر هؤلاء. لم يرُقْ هذا الأمر للتَّنظيم، ولكنَّهم تركوهم يقومون بذلك على مسؤوليَّتهم الشَّخصيَّة. وحقَّقت إستراتيجيَّة شباب الإخوان نتائج باهرةً في 25 يناير وما تلاه. ولم يبخل التَّنظيم عليهم بالثَّناء. ولكن حين انتهى دورهم هذا، عادوا في نظره شبابًا لا يستحقُّون القيادة. وبدلًا من أن يسير التنظيم على هدي طريق شبابه، همّشهم وأقصاهم؛ إذ انتهى بعد 11 شباط / فبراير عمل الشَّباب وجاءت مرحلة مجالس الكبار التي يصغي فيها الشَّباب ولا يتكلَّمون. دخل الإخوان هنا لعبة الأحزاب التي أرادت أن ترث ثورة 25 يناير. ولا شكَّ في أنَّه من بين جميع الأحزاب التي كانت قائمةً على السَّاحة - والتي عارض قسمٌ منها ثورة 25 يناير، أو شارك فيها مشاركةً رمزيَّةً بحيث تحتاج إلى مجهرٍ للتَّمييز بين سلوكها وسلوك ما يُسمَّى "حزب الكنبة" - كانت الجماعة هي التَّنظيم الأكثر مشاركةً في ثورة 25 يناير، والأكثر تأهيلًا للفوز بأيِّ انتخاباتٍ. كان ذلك بسبب تراثه النِّضاليِّ أو قدرته التَّنظيميَّة الانتخابيَّة وقاعدته الجماهيريَّة. ومن هنا، كان الهمُّ الأساسيُّ للإخوان هو التَّوصُّل إلى موعدٍ للانتخابات. وحين اختلفوا مع العسكر - وهي قصَّةٌ طويلةٌ -، وحين تفاهموا معه - وهي قصَّةٌ طويلةٌ أخرى -، كان نصب أعينهم الوصول إلى الانتخابات حتى يحكم ممثلو الأغلبيَّة، بدلًا من العسكر؛ وحتى يحكم ممثلو الأغلبيَّة أيضًا في ما اختلفوا فيه مع الأحزاب الأخرى. وكانوا يعلمون أنَّهم قادرون على حصْد الأغلبيَّة في الانتخابات البرلمانيَّة. وهذا ما حصل.
وفي هذه الأثناء، تغاضى الإخوان عن جرائم أجهزة الأمن في أحداثٍ، مثل أحداث ماسبيرو[7] وأحداث محمد محمود. وفي مرحلة الخصومة السِّياسيَّة، نسيَ معارضو الإخوان أنَّ من قام بالسَّحل والقتل في هذه المواقع هو أجهزة الأمن. ووجَّهوا أصابع الاتِّهام إلى الإخوان وحدهم. والأفدح من هذا أنَّهم تحالفوا مع أجهزة الأمن القاتلة ذاتها ضدَّ الإخوان. وكانت صورة حمْل أفراد الشُّرطة على الأكتاف يوم 30 يونيو في ميدان التَّحرير معبِّرةً؛ إذ فهمتها الشُّرطة اعتذارًا لها، من دون أن يجريَ إصلاحها، وفهمتها الدَّاخلية على أنها ضوءٌ أخضر (تفويض بلغة المرحلة) للاستمرار في الممارسات نفسها، وفي تصعيدها ضدَّ الإخوان، والإسلاميِّين، وكلِّ من يعارض الانقلاب أو يقف في الطَّريق.
وفي موقفهم المعلَن، امتنع الإخوان، بدايةً، عن خوض انتخابات الرِّئاسة، ثمَّ ما لبثوا أن غيَّروا رأيهم - بأغلبيَّةٍ ضئيلةٍ في مجلس شورى الجماعة - لمصلحة خوض الانتخابات[8]. كان هذا قرارًا خطيرًا ينمُّ على رغبةٍ في حكم الدَّولة. فهذا يختلف في الحكم الرِّئاسيِّ عن الحصول على الأغلبيَّة البرلمانيَّة التي تشرِّع وتقيِّد حاكم الدَّولة. لقد قرَّروا حكم الدَّولة وحدهم في أخطر مرحلةٍ في تاريخها، كما منعوا وصول مرشَّحٍ إسلاميٍّ معتدلٍ إلى السُّلطة، وهو عبد المنعم أبو الفتوح. وربما كان سبب التَّرشُّح الرَّئيس هو الحفاظ على التَّنظيم، خوفًا عليه من السَّير خلف أمثال أبو الفتوح، على غرار تفسير العصبيَّة التَّنظيميَّة (لا الدِّينيَّة) كثيرًا من ممارسات الإخوان المسلمين.
في هذه اللحظة التَّاريخيَّة حصلت ثلاثة أمورٍ خطيرةٍ أخرى. أوّلها أنَّ الرَّئيس محمَّد مرسي تولَّى إدارة دولةٍ لا يديرها فعلًا، فجهازها لا يتعاون معه، بل يقاومه. وأقصد هنا جهازها التَّنفيذيَّ المسمَّى بالدَّولة العميقة، وجهازها القضائيَّ، وجهازها الأمنيَّ. وفي كلِّ مرحلةٍ يفشل أحد هذه الأجهزة في إفشاله يتصدَّى له آخر، حتَّى أصبح القضاء ملاذًا أخيرًا تُلغى فيه تشريعات البرلمان المنتخب، وقرارات الرَّئيس المنتخب. وثانيها أنّ الإخوان أصبحوا في هذه المرحلة في حاجةٍ إلى الثَّورة. وأقصد جماهير الثَّورة وشبابها ومزاجها وروحها. ولكنّ هذا آخر ما أرادوا أن يسمعوا به؛ من أجل ذلك قلنا إنَّهم ليسوا ثوريِّين. وفي هذه المرحلة أرادوا الدَّولة، ولكن الدَّولة ضدَّهم. وإذ لم يرغبوا في استدعاء شباب الثَّورة وروحها، فقد كانوا - على الأقلِّ - في حاجةٍ إلى الوحدة الوطنيَّة مع الأحزاب، مهما كانت ضعيفةً، لتعطيَهم غطاءً يحوِّلهم من حزبٍ، مهما كان كبيرًا، إلى جبهةٍ وطنيَّةٍ واسعةٍ، على صِغَر أعضائها الآخرين، للتَّصدِّي لأجهزةٍ تدَّعي عدم الحزبيَّة؛ مثل القضاء والأمن وغيرها. ولم يتحمَّس الإخوان لذلك، فقد اعتقدوا أنّ المشهد هو سلطة ومعارضة. وحين رغبوا في ذلك كانت شروط هذه الأحزاب شبه مستحيلةٍ، أو أنَّها كانت راغبةً في إفشال الإخوان. أمّا الشَّخصيَّات الوطنيَّة، على أنواعها: المبدئيَّة، والانتهازيَّة - وهي التي دعمت الإخوان في الدَّورة الثَّانية - فأقصى ما وصل إليه خيال الإخوان هو رؤيتهم بصيغة مساعدين ومستشارين، لا شركاء في صنع القرار. ولذلك سرعان ما تنصَّلوا من الوعود التي قدَّموها لهم[9]، وحتَّى من الاستجابة السَّهلة لطموح بعضهم الشَّخصيِّ. وثالث الأمور الخطيرة التي حدثت: دخول الإخوان الحكم بوصفهم إخوانًا، أي بعُدَّتهم الأيديولوجيَّة والفكريَّة وخطابهم الإسلاميِّ، حتى صعب فهْمُ خطاب الرَّئيس مرسي أحيانًا حين يقول: "نحن"، فهل يقصد "نحن المسلمين"؟ أم يقصد "نحن المصريِّين"؟ لقد كان خطابه دينيًّا إلى هذه الدَّرجة، وحين انتبه لذلك كان متأخِّرًا. ومن بين الأحزاب التي تنافسوا معها في البرلمان وفي كسب تعاطف "الشَّارع" الأحزاب السَّلفيَّة؛ ذلك أنّ الإخوان خشوا السلفيِّين، فجارَوْهم بالمبالغة في التَّشدُّد في خطابهم الدِّينيِّ، وخافوا من مزايدتهم الإسلاميَّة، فمرَّروا وجبةً دسمةً من الخطاب الدِّينيِّ في لجنة الدُّستور، وهو خطابٌ لا يقدِّم ولا يؤخِّر، ولكنَّه ينفِّر الكثير من أركان ثورة 25 يناير وجماهيرها وحلفائها في العالم.
إنّ الحكم يحتاج إلى قرارٍ، والقرار في حالة الإخوان المسلمين يُتَّخذ في إطار تنظيم الإخوان المسلمين، لا خارجه، ولا حتَّى بالتَّشاور مع أقرب الأصدقاء. وثمَّة لحظاتٌ يشعر فيها أوثق حلفاء أيِّ تنظيمٍ شموليٍّ بأنهم غريبون عنه في الواقع أمداءَ كثيرةً. يضاف إلى ذلك انشغال وسائل الإعلام بقتل شخصيَّة الرَّئيس وتشويه صورته، والتَّأليب عليه، والبحث عن أخطاء، وتضخيم أخطاء فعليَّة، ونشْر الشَّائعات التي لا يعتذر عنها أحدٌ بعد أن يتبيَّن كذبها وضحالتها، وفقدان الأمن الذي تواطأت وزارة الداخليَّة وأجهزة الأمن في السكوت على ضياعه أو تضييعه، واستمرار المشكلات الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة القائمة، بل وتفاقمها في ظلِّ مقاطعةٍ حقيقيَّةٍ من دول الخليج - بقيادة السُّعوديَّة والإمارات - لمصر؛ ذلك أنّها لم ترضَ يومًا بثورة 25 يناير ونتائجها. أصبح الإخوان، والرَّئيس مرسي على نحوٍ خاصٍّ، إذن، موضوعًا للتَّحريض. وأصبح المهمّ إفشال حكمهم، ولو كان ذلك بإفشال مصر نفسِها. فإذا تجرَّأت دولةٌ على الاستثمار في مصر ومساعدة حكومة مصر في فترة حكم الإخوان، فإنها تُتَّهم بدعْم الإخوان المسلمين، وبالانحياز، لأنّ الأحزاب غير النَّاضجة ديمقراطيًّا ووطنيًّا لا تتصرَّف على أساس وجود سقفٍ وطنيٍّ يجمعها مع بقية الأحزاب، فليس ثمّة من خطوط حمراء لديها في معركة إفشال الحزب الخصم، حتى لو كان ذلك على حساب علاقات الدَّولة الخارجيَّة واقتصادها وأمنها القوميِّ، على الرّغم من أنها تكون – أغلب الأحيان - أكثر الأحزاب تغنِّيًا بما يُسمَّى"الأمن القوميَّ"، من دون تحديدٍ لمعناه أو مبناه.
استخفَّ الإخوان بموضوع الأقباط، والتَّمييز الواقع عليهم بالتَّعامل معهم على أنهم أقليَّة دينيَّة في بلدٍ يعدُّون فيه أنفسهم سكانًا أصليِّين. لقد نظروا إلى المسألة على أنّها تسامحٌ وتعاملٌ بالحُسنى، وتجاهلوا في الوقت نفسه التَّحريض العنصريَّ في قواعدهم هُم أنفسهم ضدَّ الأقباط، وفي قواعد غيرهم أيضًا. وليس من شكٍّ لدينا في أنَّ الموقف السَّلبيَّ من مساواة الأقباط قائمٌ أوَّلًا في جهاز الدَّولة، وأجهزتها الأمنيَّة، وفي كثيرٍ من الأحزاب، في حين كان يُمكن للإخوان أن يضطلعوا بحلِّ قضايا الأقباط، وأن يكونوا هم المؤهَّلين لذلك؛ لأنه ما من أحدٍ يمكنه المزايدة عليهم في الإسلام. ثمّ إنّهم لو خاضوا هذه المعركة مع السَّلفيِّين لكانت نتائجها في مصلحتهم، وبخاصة في أوساط الفئات الوسطى. ولكنَّهم - كما يبدو - نسوا أو تناسَوا أنَّهم لم يحصلوا على الأغلبيَّة في المدن الكبرى، وبين الطَّبقات الوسطى، حتَّى في الجولة الثَّانية لانتخابات الرِّئاسة. وكيف يمكن لحزبٍ ما أن يحكم ديمقراطيًّا دون أن يكسب إلى جانبه أغلبيَّة الطَّبقة الوسطى والأغلبيَّة المدينيَّة، وخصوصًا أنّ جهاز الدَّولة يقف ضدَّه؟ ثمَّة أوساطٌ اجتماعيَّةٌ تفوق أهميَّتها في الحكم أهميَّتها العدديَّة. ويصعب أن يفهم ذلك حزبٌ أمضى حياته السِّياسيَّة الطَّويلة في المعارضة.
لهذا وجد الإخوان المسلمون أنفسهم معزولين حزبيًّا، وكلَّما ضعفوا ازداد التَّعامل معهم كأنَّهم طائفةٌ أو فرقةٌ، بدلًا من كونهم حزبًا، من أجل ذلك ظلّ هذا الشَّرخ المجتمعيُّ ملازمًا لهم؛ إذ يمكن بالتَّحريض أن توضع الحدود بينهم وبين بقيَّة المجتمع، وهي حدود يسهل رسمها، بأنْ يُؤلَّب النَّاس عليهم بالأساليب الشَّعبويَّة القديمة التي تؤدِّي إلى تسخين هذه الحدود.
هل حَكم الإخوان المسلمون مصر في الفترة الواقعة بين حزيران / يونيو 2012 وتمُّوز / يوليو 2013؟
لم يحكم الإخوان المسلمون، في الواقع، مصر خلال هذا العام، فجهاز الدَّولة إمَّا غير متعاون معهم، وإمّا أنّه أفشلهم مباشرةً. ولكنَّ أغلبيَّة المصريِّين كانت تعتقد أنَّهم حكموا في تلك السَّنة. ومع أنَّها فترةٌ لا تتجاوز ثلث المرحلة الانتقاليَّة، فإنَّ الأغلبيَّة توقَّعت منهم كلَّ ما وعدت به الثَّورة الشَّعب المصريَّ من عيشٍ كريمٍ وحرِّيَّةٍ وعدالةٍ اجتماعيَّةٍ، وكلَّ ما لم تتوقَّعه من المجلس العسكريِّ الذي حكم مدَّةً أطول من مدَّة الإخوان. وكان هذا هو الفخُّ الذي وقعوا فيه.
هل كان بإمكان حزبٍ آخر أن يصل إلى الحكم وأن يفرض نفسه على جهاز الدَّولة؟
لا، فما كان سيحصل هو العكس لو وصل حزبٌ آخر بالانتخابات، أي إنَّ جهاز الدَّولة كان سيفرض نفسه على أيِّ مرشَّح آخر، ولا ينشأ صراعٌ؛ وليس ذلك لأنَّ الرَّئيس لن يسعى لفرض نفسه، ولكن لأنَّ الجهاز يفرض نفسه على رئيسٍ بلا حزبٍ قويٍّ. ومن هنا نقول: إنّ أحد أسباب صدام جهاز الدَّولة مع الإخوان يعود إلى حقيقة مفادها أنَّ لديهم حزبًا وشبكة علاقاتٍ بديلةً تمكِّنهم أحيانًا من القيام ببعض وظائف جهاز الدَّولة حين لا يتعاون معهم.
(5)
في اليوم الثَّالث من يوليو 2013 بدا أنَّ فصلًا طويلًا وغنيًّا، ومرتبكًا وفوضويًّا - بقدر ما هو غنيٌّ - من فصول الثَّورة المصريَّة (وربَّما الثَّورات في العالم) شهد نهايةً مأسويَّةً أُخرجت إخراجَ المهزلة. والمقصود هو نهايةٌ مأسويَّةٌ أُخرجت يوم 3 تموز / يوليو إخراجًا مسرحيًّا يكاد يكون هزليًّا، لأنَّ صورة الفريق أوَّل وهو يلقي خطاب الانقلاب العسكريِّ على منصَّةٍ تشبه مسرحًا بجناحين، رُتِّبت فيها شخصيَّاتٌ عسكريَّةٌ، ودينيَّةٌ من شيخ الأزهر وبابا الكنيسة القبطيَّة، وشباب، وشيوخ، وقادة المعارضة، فبدت كأنَّها ديكورٌ في فصلٍ ختاميٍّ من مسرحيَّةٍ غربيَّةٍ رديئةٍ تتظاهر بأنَّها تفهم عقليَّة العرب. كان الإخراج مسرحيًّا من دون شكٍّ، ولا بدَّ أنَّ من نظَّمه قد استشار مخرجًا مسرحيًّا كما يفعلُ بعض القادة السِّياسيِّين في هذه الأيَّام.
والحقيقة أنّ "شرعيَّة الشَّارع" التي يجب أن تلفظ "شرعيَّة الشَّعب"، هي من ابتكارات ثورة 25 يناير في مقارعتها حجَّة النَّظام القائم على القوَّة والفساد والإفساد، والإرهاب والتَّرهيب، والعرف والعادة، والخوف والاستكانة، مدعيًّا أنه يحظى بـ"شرعيَّة الشَّعب". تقوم شرعيَّة الشَّعب في الحالة الثوريّة مقام الدُّستور في الثَّورات، لأنَّ الثَّورة - بحكم تعريفها - فعلٌ شعبيٌّ خارج الدُّستور لتغيير نظام الحكم. وخلال تلك المرحلة القصيرة الفاصلة بين عدم الاعتراف بالدُّستور القائم والخروج عليه ووضع الدُّستور الجديد يكون لشرعيَّة الشَّعب القول الفصل. وتتَّخذ شرعيَّة الشَّعب في هذه الحالة شكل الخروج إلى الشَّارع، إلى الفضاء العامِّ، للتَّظاهر والاعتصام؛ وربما يكون ذلك بأدوات أخرى في ظروفٍ أخرى إن استخدم الجيش السِّلاح، كما صار يفعل الجيش المصري ذلك ضدَّ المتظاهرين بعد 3 يوليو.
وتتَّخذ شرعيَّة الشَّعب في الدَّولة الدِّيمقراطيَّة شكل انتخاباتٍ دوريَّةٍ بناءً على مبادئ دستوريَّةٍ متَّفقٍ عليها، أو بناءً على دستورٍ مكتوبٍ متَّفقٍ عليه. وتصبح شرعيَّةُ الشَّعب "شرعيّةَ الشَّارع" حين لا تكون الانتخابات ممكنةً، وذلك في النِّظام الاستبداديِّ. أمَّا طرْح شرعيَّة الشَّارع ضدَّ الانتخابات فإنَّها تعني "شرعيَّة الشَّارع" ضدَّ شرعيَّة الشَّعب. وهذه الشرعيَّة منظَّمةٌ دستوريًّا، ولها بنيةٌ، ومفهومٌ قانونيٌّ عميقٌ لا يتجزَّأ إلى أعدادٍ وأرقامٍ. لأنَّ شرعيَّة الشَّعب مفهومٌ منظَّمٌ مُقَنَّن، ناجمٌ عن اقتراعٍ مُقَنَّن ومنظَّم أيضًا. ويتيح القانون مجالًا لتكراره في أزمنةٍ محدَّدةٍ، بطريقة منتظمة، من أجل الإتيان بنتيجةٍ مختلفةٍ حين يغيِّر الشَّعب، أو جزءٌ منه، موقفه من الحاكم؛ كأن يكون الحاكم وعد وكذب، أو أوعد وجبن، أو غير ذلك. ففي الانتخابات لا يُطالَب الشَّعب بإبداء أسباب تغيُّر رأيه. وبعد فرز النَّتائج لا ينفع صراخٌ، ولا عويلٌ، ولا صرير أسنان. فالعدُّ يكون محايدًا، وأصحاب الرَّأي مجهولون، إلَّا إذا طُعن قانونيًّا في نزاهة الانتخابات. أمَّا شرعيَّة الشَّارع، بوصفها تعبيرًا عن شرعيَّة الشَّعب، فتصلح حين تُكمُّ أفواه أفراد الشَّعب عن التَّعبير، وتشلُّ أيديهم عن التَّصويت. ومن هنا فإنَّ أيَّ محاولةٍ لطرح العمل الجماهيريِّ في النِّظام الدِّيمقراطيِّ شرعيَّةً بديلةً من الشَّرعيَّة الدُّستوريَّة هي فعلٌ شعبويٌّ وليست بفعل شعبيّ. وحتَّى حين يكون هذا الفعل شرعيًّا، فإنَّ هذا لا يعني أنَّه بديلٌ من الشَّرعيَّة. وهذا لا يقلِّل من شرعيَّته الجزئيَّة المحدَّدة، أي النِّضال المطلبيَّ الضَّاغط من أجل تحقيق مطالب، أو إبداء الغضب، أو عدم الرضا عن سياسةٍ محدَّدةٍ، أو عن برنامجٍ سياسيٍّ.
وبهذا المعنى فإنَّ حركة 30 يونيو بمنطوق خطابها الحَرفيِّ حركةٌ احتجاجيَّةٌ واسعةٌ وشرعيَّةٌ. وقد تفوق أعداد المشاركين فيها أعداد المشاركين في 25 يناير، ولكنها كذلك بوصفها حركةً شعبيَّةً طالبت بتقديم موعد الانتخابات. فتقديم موعد الانتخابات هو مطلبٌ شرعيٌّ عينيٌّ واضحٌ، يمكن أن يجتمع عليه أغلبيَّة النَّاس. ولكنَّه، في حدِّ ذاته، ليس بديلًا من الانتخابات، وليس بديلًا من الشَّرعيَّة، لأنَّ هناك سبلًا قانونيَّةً لتقديم موعد الانتخابات. فهذه الشَّرعيَّة هي شرعيَّة بديلةٌ افتراضيَّةٌ، لأنَّها مطلبٌ من حركةٍ جماهيريَّةٍ واسعةٍ، لكنَّها، بالنظر إلى أنها شرعيَّة بديلة، لا تتحقَّق إلَّا بالانتخابات. هذا إذا أخذنا خطاب 30 يونيو بحرفيَّته كما هو. ولا شكَّ لديّ في أنَّ حشدًا كبيرًا من حشود ذلك اليوم المشهود كان يؤمن بهذا المطلب، ولم يعلم أنَّ انقلابًا يُدبَّر بحجَّة أنَّ المطلب، في حدِّ ذاته، يُغني عن تحقيقه، أي عن تنظيم انتخاباتٍ مبكِّرةٍ، ويجيزُ انقلابًا عسكريًّا.
في مثل هذه الحالة تصبح حركة 30 يونيو - على عظمة حشودها وشرعيَّة مطلبها -غطاءً شعبيًّا لانقلابٍ عسكريٍّ ضدَّ نظام حاكمٍ يتيح الانتخابات الدَّوريَّة، وهي التي كان موعدها أصلًا على الأبواب. أمَّا من يصرُّ على جعل 30 يونيو ثورةً انضمَّ الجيش إليها، أو كما يُقال عادةً: "انحاز الجيش إلى مطالبها العادلة"، فهذا يعني أنَّها ثورةٌ مضادَّة، لأنَّه إن كانت هذه ثورةً بمساندة بقايا نظام الحكم القديم وأجهزة الدَّولة المعادية للثَّورة فإنَّها تكون ثورةً مضادَّةً، أي ثورةً تهدف إلى إزالة نتائج ثورة 25 يناير، وإعادة الامتيازات لمركَّبات النِّظام القديم وشخوصه وعناصره.
(6)
في الوقت الذي برز مثقَّفون ديمقراطيُّون يعملون مع الشَّباب من أجل التَّغيير الدِّيمقراطيِّ، عارض كثيرٌ من القوى العلمانيَّة واللبراليَّة في الوطن العربيِّ تغيير أنظمة الحكم الاستبداديَّة. فقد امتلؤوا خشيةً من وصول الإسلاميِّين إلى الحكم. وتحالف مثقَّفون لائكيِّون [10] كثيرون من اليسار واليمين (الذين غالبًا ما تُطلَق عليهم خطأً تسمية "لبراليِّين") علنًا مع الاستبداد، بحجَّة أنَّ الاستبداد العسكريَّ أفضل من الشُّموليَّة الدِّينيَّة التي تحكم الدُّول وتستعبد العقول، فيصبح من الصَّعب التَّخلُّص منها. وغالبًا ما استحوذت عليهم متلازمة الجزائر التي كاد يفوز فيها الإسلاميُّون في الانتخابات. ولم يخطر ببال كثيرين أنَّ الطَّريق الوحيدة لكسر هذه الحلقة هي الدِّيمقراطيَّة نفسها، فلا يمكن تغيير ثقافة النَّاس السِّياسيَّة إلى ثقافةٍ ديمقراطيَّة في ظلِّ الاستبداد. أمَّا الثُّنائيَّة التي تجعل الخيارات تقتصر على الاستبداد أو الإسلاميين فما هي إلا ثنائيَّة أنظمة الاستبداد نفسها. وحين تسقط هذه الأنظمة ويُفسَح المجال للقوى السِّياسيَّة والاجتماعيَّة للتَّعبير عن ذاتها يظهر تنوُّعٌ أغنى بكثيرٍ من هذه الثُّنائيَّة، أمَّا التَّيَّارات الإسلاميَّة فلا بُدَّ أن تُختبر في الحكم. وسوف تكتشف في حينها أنَّ شعار "الإسلام هو الحلُّ" ليس مشروعًا، وسيكون عليها أن تختار بين أن تتغيَّر أو تفشل.
وعلى الرغم من تكرارنا هذا الكلام مرَّاتٍ عدَّةً، فإنّ هذه الحلقة لم تنكسر نظريًّا، فلقد كسرتها الثَّورات، قبل أن يقتنع المتحالفون مع الأنظمة بذلك، وانضمَّ بعضُهم إلى قطْف نتائج الثَّورات من دون الاقتناع بها.
لقد أظهرت المجتمعات تنوُّعًا سياسيًّا وأيديولوجيًّا مفاجئًا فعلًا، واتَّسع الفضاء لنقد الإسلاميِّين نقدًا لم يكن متاحًا حتَّى في ظلِّ الاستبداد، حين كانوا في المعارضة، لأنَّ الشَّارع كان متضامنًا معهم؛ دينيًّا وسياسيًّا. كما أنَّ الإسلاميِّين وصلوا إلى الحكم، ووقفوا أمام خيار إمَّا التَّغيير وإمّا الفشل في إدارة البلاد وفي الانتخابات المقبلة. ولكنَّ ثمَّة من لم يعوِّل على الانتخابات، فعاد إلى حليفه القديم.
ولا شكَّ في أنَّه سيكون لإفشال تجربة الإسلاميِّين مع الدِّيمقراطيَّة بعد عقودٍ من التَّطوُّر التَّدريجيِّ في هذا الاتجاه أثرٌ بالغٌ في ثقافة شبابهم ومزاجهم السِّياسيِّ في المستقبل. ومثل هذا الأمر لا يحتاج إلى تأكيد.
ولا ندري هل يعوق هذا الأمر عمليَّة التَّحوُّل الدِّيمقراطيِّ فحسب، أم أنَّها ثورةٌ مضادَّة شاملة؟ أم هل يتأكَّد أنّ ثورة 25 يناير فشلت فشلًا كلِّيًّا، إن بقيَ النِّظام القديم، ولم يترتَّب على هذا الأمر ثورةٌ مضادَّةٌ له، وأنَّ الطَّريق أمام القوى التي صنعت تلك المحطة ما زالت طويلةً؟
تُقاوَم الثَّورة المضادَّة للثَّورة الدِّيمقراطيَّة بمواصلة الطَّرح الدِّيمقراطيِّ، والتَّوقُّف للدِّفاع عن كل تفصيل من تفاصيله. أمَّا استمرار النِّظام القديم فالمؤشر الدَّال عليه هو عودة التَّحالفات القديمة إلى حربٍ شعواء ضدَّ التَّيَّارات الإسلاميَّة، تُطلق عليها تسمية "حرب على الإرهاب"؛ استرضاءً للغرب من ناحية، وترهيبًا لمعارضيها من ناحيةٍ أخرى، ثم لا تلبث أن تُنْبِت الإرهاب الذي تحاربه باستخدامها الإذلال، والعنف غير المنضبط في قمْعها.
وربَّما توضِّح لنا النَّتائج في المستقبل أنَّ هذا كلَّه كان انحدارًا موَقَّتًا في مسار الثَّورة الحلزونيِّ التَّصاعديِّ الذي يتضمَّن منعطفاتٍ تبدو عودةً إلى الخلف، ولكنَّها في الحقيقة عودةٌ وهميَّةٌ، فلا يُمكن إعادة عجلة التَّاريخ إلى الوراء. ثمّ إنَّه يصعب استعادة النِّظام القديم، حتَّى لو عادت شخوصه. ولكن هذا لا يثبت في "فلسفةٍ تاريخيَّةٍ" تقترب عادةً من أن تكون لاهوتًا خلاصيًّا، بل يثبته الفاعلون على الأرض حين يرون أنّ قمْع حرِّيَّة التَّعبير، والتَّحريض على الرَّأي المخالف، وحلَّ الأحزاب، وإطلاق تهمة الإرهاب على الخصم السِّياسيِّ لتبرير القضاء عليه، وتملُّق ثقافة الغرب السِّياسيَّة في آنٍ معًا، لا يمكن اتّخاذه تعبيرًا عن "تصحيح مسار الثَّورة"، وأنَّ القوى الدِّيمقراطيَّة هي التي تصحِّح مسار الثَّورة. ليس الإخوان المسلمون قوىً ديمقراطيَّة، ولا العسكر بالتَّأكيد، ولا المراهنون على العسكر من صغار السِّياسيِّين الذين يعوّلون عليه بلؤمٍ وخسَّةٍ تاريخيَّيْن، ويحثُّونه على أن يقضيَ لهم على خصومهم من الإخوان وغيرهم. فالقوى الدِّيمقراطيَّة هي القوى التي تتلمذت على قيم ثورة 25 يناير، ولم يَجْرِ احتواؤها، وهي التي سوف تدافع عن الدِّيمقراطيَّة الوليدة التي تكاثر عليها أعداء الحرِّيَّة والقوى الرجعيَّة المعادية للدِّيمقراطيَّة في مصر والإقليم.
-------------------------------------------