تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

قضية عزمي بشارة تفجر الحقد الإسرائيلي ضد فلسطيني 48

2007-04-18

موقع الألوكة

طالما نادت وحذرت دولة الاحتلال الإسرائيلي بخطر الأقليات العربية على ما يسمى بالأمن الإسرائيلي، وحاولت جاهدة كسر شوكتهم أولاً بأول، تحت غطاء تتغني بديمقراطيته، إلا أن هذا الغطاء بدأ بالتكشف مؤخراً حينما أبلغ رئيس الشاباك الإسرائيلي رئيس وزراء حكومته إيهود أولمرت رسمياً باعتباره الأقلية العربية "الفلسطينيين" خطراً على الأمن الإسرائيلي، خاصة بعد مؤتمر (هرتسليا) الأول عام 2000 والذي أكد على أن العرب باتوا يمثلون خطراً ديمغرافياً من شأنه أن يولد فكرة الترحيل.

وزاد من حدة هذا الخطر قيام عدد من الجمعيات القانونية والمدنية التي تقودها النخب من الأقليات العربية داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي بطرح تصوراتها حول صيغ دستورية لدولة (إسرائيل) كدولة ديمقراطية "دولة لجميع مواطنيها" بالإضافة إلى صياغة منهج للتعامل معهم وفقاً للصيغ الديمقراطية التي قدموها وتغنت بها من قبلهم دولة (إسرائيل).

بداية الأزمة "دولة لجميع مواطنيها":

د. عزمي بشارة منذ العام 1996 كان أول من طرح مبدأ "دولة لجميع مواطنيها"، ساعده على ذلك وجوده في الكنيست الإسرائيلي، وخلال سنوات قليلة أصبح المبدأ الذي أطلقه شعاراً للعديد من التيارات السياسية الفلسطينية، وللعديد من النشاطات النضالية والشعبية في الداخل المحتل، وهذا ما فرض على دولة الاحتلال تحدياً ديمقراطياً، وكان هذا سبباً كافياً لهذه الدولة التي تدعي الديمقراطية أن تفرغ أحقادها عليه فبدأت تكيد لرأس ذلك الخطر د. عزمي بشارة.

بدايةً رصدت تحركاته ونشاطاته واتصالاته مع السلطة الفلسطينية والأردن ومصر وسوريا، وبدأت خوض معارك وحملات إعلامية ضده، لاجتثاثه من دولة (إسرائيل) الديمقراطية!.

وتوالت بعد ذلك عمليات إخضاعه لمساءلات قضائية، وبالتالي حرمانه من الحصانة النيابية، وما عقبها في العام 2003 من منعه الترشيح للكنيست، وفقاً لنداءات الشاباك التي حذرت المحكمة الإسرائيلية من تنامي تأثير حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يرأسه، على مضمون النقاش السياسي في الكنيست الإسرائيلي، وامتداد تأثيره إلى أوساط النخب السياسية.

إلا أن تلك المحاولات جميعها باءت بالفشل، ولم تستطع أن تنال من شعبية واحترام عرب الداخل لبشارة ولم تزعزع ثقتهم فيه وانعكست بشكل إيجابي في التفاف عرب الداخل نحو الحزب الذي يقوده د. بشارة "التجمع الوطني الديمقراطي" ما دعا مؤخراً عدداً من وسائل إعلام عبرية مأجورة لإشاعة استقالته من الكنيست الإسرائيلي، وخروجه من دولة (إسرائيل) بلا عودة، وما تلي ذلك من ردات فعل سياسية وإعلامية داخل (إسرائيل، تراوحت بين الترحيب بالتخلص من متطرف "د.عزمي بشارة" وإحكام قبضة أجهزة الاستخبارات على عرب الداخل، بالإضافة إلى استغلال تلك الحملة من قبل نواب الأحزاب الإسرائيلية، لإفراغ أحقادهم على النواب العرب وإرغامهم على إبداء الولاء والطاعة لإسرائيل، على أساس أنها دولة ديمقراطية يهودية، وليس كما طالب بشارة دولة لجميع مواطنيها.

ردود أفعال إسرائيلية:

الأزمة الحقيقة لا تكمن فقط في تغييب د. عزمي بشارة عن الساحة السياسية في أراضي الداخل المحتل عام 48، الذي هو عنوان للأقليات العربية في الداخل، وهو خطر على الأمن الإسرائيلي، طالما حذر من تناميه "جهاز الشاباك"، بل تعدت إلى كونها محاولة لقهر وإفشال تحدي سياسي عربي عالمي باتت تواجهه (إسرائيل) في أعقاب قمة الرياض الأخيرة والتي احتوت على مبادرة بإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس قرار الأمم المتحدة 194.

وعلى الرغم من رفضها للمبادرة علناً، وعدم اعترافها بها، إلا أنها اتخذت سبلاً أخرى للإطاحة بها عبر التخطيط لمعركة مع الفلسطينيين المقيمين في دولة (إسرائيل) تحت شعار الترانسفير "الترحيل" لتتمكن من القضاء على فكرة حق العودة، وقهر المبادرة العربية، بالإضافة إلى سعي دولة (إسرائيل) إلى صياغة دستور لها قائم على يهودية الدولة، ومحاولتها الاستفادة من "وعد بوش" الذي أيد فكرة تهويد دولة (إسرائيل)، التي أطلقها أرييل شارون بهدف ترحيل الفلسطينيين والبالغ عددهم مليون و300 ألف نسمة من (إسرائيل)، وإهدار حق العودة للاجئين الفلسطينيين، فكان الخيار الأول أمامها لهذه المعركة د. عزمي بشارة، مستغلة خروجه في رحلة عمل، حيث قام الشاباك عبر مجلة أسبوعية مأجورة له تدعى "الصنارة " بالترويج إلى شائعة استقالة د. عزمي بشارة وخروجه إلى الأردن دون رجعة.

بنيامين نتنياهو - أحد زعماء اليمين في الكنيست الإسرائيلي - أكد أن عملية التخلص من عزمي بشارة وإزالته من الحلبة السياسية ستريح الجميع، حيث قال بالنص: "ما من أحد زعزع نسيج العلاقات بين اليهود والعرب في (إسرائيل) مثل بشارة، إن انصرافه من الحياة السياسية لن يأتي إلا بالفائدة على الجميع"، أما النائب زفولون أورليف فأكد على ضرورة أن تعمل الدولة على محاكمة أعضاء الكنيست العرب وفقاً لنشاطات خطيرة تهدد (إسرائيل) كدولة يهودية، مطالباً بضرورة منعهم من الترشيح في انتخابات الكنيست الإسرائيلي عبر قوانين محكمة وواضحة، وذهب النائب تسفي هاندل إلى وصف النواب العرب في الكنيست بالطابور الخامس، وأنهم يتعاونون مع الأعداء، في إشارة منه إلى زيارة د. بشارة إلى سوريا ولبنان.

أما إذاعة الجيش الإسرائيلي فاعتبرت د. عزمي بشارة متطرفاً، وقالت صراحةً: "يعتبر رئيس التجمع الوطني الديمقراطي - منذ سنوات - نائباً متطرفاً في الكنيست الإسرائيلية، وأوردت الأسباب التي دعتها لنعته بالمتطرف، وهي على حد قولها: أنه "تعانق والرئيس السوري بشار الأسد في دمشق، و"قبّل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في بيروت"، وبالرغم من ذلك بقي محتفظاً بعضويته في الكنيست الإسرائيلي، وكاد ينافس على منصب رئيس الحكومة في (إسرائيل)، بالإضافة إلى أنه "لم يُخفِ أبداً نفوره من الصهيونية، ولم يخفِ مطلبه إلغاء (إسرائيل) كدولة يهودية خلال السنوات الـ 11 في الكنيست، ودعا أكثر من مرة العالم العربي إلى مواصلة حربه ضد (إسرائيل) بمختلف الوسائل، بل أبدى تأييده لمنظمات الإرهاب"، واستطردت في كيل اتهاماتها له "يعتبر برنامج حزبه الأكثر تطرفاً في برامج سائر الأحزاب العربية".

عزمي بشارة يرد:

بداية قالت اللجنة المركزية للتجمع الديمقراطي أن "مسألة عودة النائب بشارة وتوقيتها لا أحد يملك تحديدها إلا هو، وفقاً لبرنامجه الذي خرج من أجله قبل تفجير قضيته من قبل وسائل إعلام عبرية، وأخرى مأجورة صادرة بالعربية للشاباك الإسرائيلي، مؤكدة أن المتعطشين لعودة بشارة إلى (إسرائيل) هم أنفسهم من لاحقوه، وعلقت: "ليس هو رهن إشارتهم وليس ترتيب برنامجه وفقاً لبرنامجهم".

فيما علق د. بشارة في حوار خاص مع قناة الجزيرة الفضائية أن أمر عودته إلى الداخل محتوم بالإيجاب، وكذلك أمر الاستقالة من الكنيست، قائلاً: إن قراراته الحاسمة وخطواته القادمة بعد ما أثير ضده من حملة سياسية أمنية "سأستقيل نعم، لا أعرف متى.. والعودة إلى الداخل، طبعًا، وأنا أفكر متى.. هذه قضية إيقاع، وهي متعلقة بقواعد اللعبة الجديدة"، على حد قوله، لافتاً إلى أن الشرطة الإسرائيلية بموافقة المحكمة العليا ترفض نشر حيثيات القضية وتغلفها بثوب من التعتيم والتكتم، حيث تمنع الحديث عن التحقيق الجاري، ومن جهة أخرى تقوم بتسريب معلومات أخرى بهدف التحريض، مؤكداً أن التهم والتلفيقات الموجهة إليه في مجملها أمنية وكان يعلمها قبل خروجه في جولته الأخيرة.

ويضيف كنت أنوي العودة إلى البلد إلا أن الحملة ضدي والتي يقودها الشاباك ليست ضدي فقط، بل وضد الأقليات العربية جميعها؛ كانت منسقة وموجهة ليستفاد منها بأكبر قدر ممكن، لتفجير أحقادهم ضد العرب جميعا.

وتابع يقول:  "يحاكموننا على طرح دولة للمواطنين، وعلى زيارات دول هي من وجهة نظرهم دول عدوة لهم، وعلى دعم حقوق الشعوب في المقاومة، فهو من وجهة نظرهم دعم للعنف والإرهاب".

وذكر د. بشارة أنه يعلم بطبيعة التهم الموجهة إليه، وينكرها جميعاً جملة وتفصيلاً، وعلق: "من الواضح أن الفصل الجديد في الملاحقة ليس دستورياً، كما في حالة عدم الاعتراف بيهودية الدولة، ولا جنائياً كما في حالة التهمة المتعلقة بالتحريض على العنف، بل هو "أمني" بالمفهوم الإسرائيلي للأمن."

وكرر: " أرفضها جميعها جملة وتفصيلاً"، مؤكداً أن التطورات الأخيرة "لن تدفعنا إلى الاستقالة، بل لإعادة التفكير فيها، معقباً لقد مهّدتُ للاستقالة منذ فترة لأني استنفدتُ الأدوات البرلمانية، وفعلت ما يمكنني فعله بالأدوات المتوفرة، بالإضافة إلى أن إحدى عشرة سنة مكثفة كعضو في الكنيست تكفي من وجهة نظري، وأرغب بأن أُفرد وقتاً أطول لأمور أخرى تهمُّني وتهمّ المجتمع، مثل الكتابة الأدبية والفكرية، وإعطاء وقت أطول للقضايا العربية " وفقاً لتصريحات خاصة بمجلة كل العرب.

استنكار وتضامن:

هاشم محاميد - رئيس المكتب التنفيذي للتحالف الوطني التقدمي - استنكر الهجمة العدائية الشرسة التي تشنها الأذرع الأمنية المختلفة وبعض المستعربين على د. عزمي بشارة، مؤكداً على أن التحالف الوطني التقدمي سيقف جنباً إلى جنب مع التجمع الوطني الديمقراطي؛ لمواجهة هذه الهجمة على جزء عزيز من الحركة الوطنية - على حد تعبيره - وأضاف خلال بيان أصدره التجمع: إن الهجمة العنصرية إنما تشمل كافة الجماهير العربية؛ مؤسسات، ورموز. وأضاف: إنها بمثابة ترانسفير سياسي ووطني، وتهدف إلى ضرب التيار الوطني، والحركة الوطنية في الداخل المحتل.

من ناحيته أكد هانئ المصري - في مقالة نشرها موقع 48 الإلكتروني بعنوان "عزمي بشارة وبؤس الديمقراطية الإسرائيلية" - أن شعار دولة لكل مواطنيها الذي طرحه د. عزمي بشارة ضرب الفكرة الصهيونية بالصميم، والسبب -كما جاء في مقالته- أن (إسرائيل) قامت كدولة يهودية، ويجب أن تبقى دولة لليهود فقط، قائلاً: " الديمقراطية اليهودية تريد من الفلسطيني أن يصبح صهيونياً"، ليتم الاعتراف به مواطنا كامل الحقوق، تريد منه أن ينفي نفسه، حتى لا يصبح مواطناً من الدرجة الثانية، ويهدد بالتهجير، والملاحقة القانونية، والأيدلوجية، والإعلامية، وأضاف: إن قضية عزمي بشارة إنما تكشف عن بؤس الديمقراطية الإسرائيلية، التي هي فقط ديمقراطية لليهود، وأكد: إن أكبر دليل على بؤس الديمقراطية الإسرائيلية أن د. عزمي بشارة، اتهم، وحوكم، وأدين، في نفس الوقت الذي تواصل فيه المحكمة الإسرائيلية حظر نشر أية معلومات عن التهم المنسوبة إليه، بهدف تحطيم عزمي بشارة، وما يمثله قبل تقديمه للمحاكمة.. على حد تعبيره.

فيما ذهب الكاتب يونس العموري في مقال له بعنوان: "في وقائع خطاب د.عزمي بشارة وفبركة الملفات الأمنية" إلى القول بأن "النمط الفكري للدكتور عزمي بشارة - والذي بات مزعجاً للنخبة الإسرائيلية الحاكمة في تل أبيب - تبلور على أساس الفكرة العروبية القومية الديمقراطية، والمحددة بالضبط اتجاهات الفعل النضالي الكفاحي، والمتشبثة بالهوية الحضارية، والعالمة والعارفة لمحددات الصراع، وجوهريتها في المنطقة، والقابضة على الفكرة، وغير المنطلقة بعبثية التفكير، والمصالحات الوهيمة، مع فكرة الاحتلال بالأساس.