الجماهير العربية وقياداتها الوطنية داخل الخط الأخضر في دائرة الإستهداف المباشر
راسم عبيدات
في أعقاب حملة التحريض المسعورة والتهم الخطيرة الملفقة للدكتور عزمي بشارة ، لاحظنا وبشكل لافت للنظر ، التصاعد الخطير في هذه الحملة المسعورة ، ضد الجماهير العربية وقياداتها الوطنية والقومية والجهادية ، هذه القيادات الممسكة والمتشبثة بهويتها وقوميتها ووجودها على أرضها ، وهذه الحملة المسعورة تشارك فيه المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة ، بكافة أجهزتها وأدواتها ، بالإضافة إلى كل ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي من اليمين المتطرف واليمين الوسط واليسار ، فمن رئيس الشاباك " يوفال ديسكن " ، ومروراً ب " ليبرمان " و" آفي إيتام " و " نتنياهو " و " وليفنات " وإنتهاءا ب" يوسي بيلن " ، فهم ينظرون إلى الجماهير العربية داخل الخط الأخضر على أنهم خطر ديمغرافي يهدد عبرانية ويهودية الدولة ، وهم بمثابة القنابل الموقوتة والسرطان الذي يجب إحتثاثه ، بكل السبل والوسائل والطرق المشروعة وغيرالمشروعة ، وإذا كانت مسألة " الترانسفبر " ، والتطهير العرقي بالقوة قد فشلت وأصبحت غير ممكنة ، ولا تتوفر لها ممكنات النجاح في الظرف الراهن ، فهناك عدة خيارات يدرسها القادة الإسرائيلين ومراكز أبحاثهم الإستراتيجية ، بوضع خطط وخيارات وسينيارهوت للتخلص من هذا الخطر المزعوم والمتصاعد ، تارة بالحديث عن التبادل السكاني ، وأخرى بتبادل أراضي ، أو بالمزج بين الخيارين معا ، وبمعنى آخر ضم التجمعات السكانية العربية الكبرى في الجليل والمثلث إلى الدولة الفسطينية في إطار حل مقترح للصراع العربي – الإسرائيلي.
وحملة الإستهداف الإسرائيلية للجماهير العربية وقياداتها الوطنية ، لها جذر وأساس في ثقافة الكراهية التي تربت عليها الأجيال اليهودية ، والتي فضلت أن تستغل الكارثة لسبب وحيد لإقامتها ، وأورثت أجيال من الشباب المولدين في البلاد ، أفكارا غريبة مشبعة بتوجيه الإتهامات لكل العالم وكراهية الأغيار . والإستهداف هذا ليس وليد اللحظة الراهنة أو قضية الدكتور والمفكر القومي عزمي بشارة ، وحزب التجمع الوطني التقدمي ، بل تاريخها يبدأ مع بدايات النكبة ، وإقامة دولة إسرائيل ، فكل القوى العربية التي ناضلت وعملت من أجل الحقوق المدنية والوطنية للشعب الفلسطيني داخل الخط الأخضر ، في إطار المطالبة بدولة لكل مواطنيها ، نعرضت للقمع والتنكيل والإعتقال ، بل أن الجماهير العربية دفعت شهداء في سبيل الدفاع عن أرضها ووجودها ، سواءا في أحداث يوم الأرض عام 1976 ، أو أحداث عام 2001 ، وهنا نستذكر القوى التي تعرضت للقمع لمواقفها ونضالاتها ، الحزب الشيوعي الإسرائيلي " راكاح " ، وقادة حركة الأرض ، المرحوم صالح برانسي ، حركة أبناء البلد ، والتي يقبع أمينها العام المناضل محمد كناعنه " أبو أسعد " في السجن ، وقادة الحركة الإسلامية وعلى رأسهم القائد والمجاهد رائد صلاح ، والذي تعرض للإعتقال أكثر من مرة ، وهو أحد أبرز قادة النضال الوطني والجهادي ، ليس في الداخل ، بل وعلى مستوى فلسطين ككل ، وله دور مميز في الدفاع عن الهوية والوجود الفلسطيني ، تاريخا ، حضارة ، تراثا ومقدسات ، وحزب التجمع الوطني التقدمي ، والذي كان له دور بارز في التصدي للسياسات العنصريه الإسرائيلية ، حول رفض هوية الدولة والمطالبة بدولة لكل مواطنيها ، أو دولة ثنائية القومية ، ناهيك عن التصدي للسياسات والممارسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني ، ورفض العدوان الإسرائيلي على لبنان وإدانته ، ومد جسر التواصل مع أهلنا شعبنا في سوريا من خلال ترتيب الزيارات من مناطق 1948 ، وأيضا عقد اللقاءات والإجتماعات مع قادة المقاومة القلسطينية والقادة السوريين واللبنانيين .
وسابقا كان يجري الحديث عن تشريعات تمس في الصميم الحقوق المدنية للمواطنين العرب في إسرائيل – تشريع منع جمع شمل العائلات ، وهو القانون المعروف التشريع باسم المواطنة ، وقانون الجنسية والدحول إلى إسرائيل ، وقانون المكوث غير القانوني ، وقانون تخليد " رحبعام زئفي " ، وقوانين الأراضي والتي تضع الكثير من القيود والعراقيل أمام المواطنين العرب للتصرف في أرضيهم ..... الخ ، وحملة التحريض تلك وهذه الممارسسات والإجراءات التي تمس بالحقوق المدنية للمواطنين العرب لم تعد كافية على رأي رئيس الشاباك " يوفال ديسكن " ، بل لا بد من ضرب البعد الوطني في العمل السياسي ، وهذا ما تهدف إليه المؤسسة الرسمية الإسرائيلية ومعها كل ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي ، حيث بادر عضوي الكنيست " شاي حرميش " ، من حزب " كاديما " و " جلعاد أردين " من " الليكود " ، إلى طرح إقتراح قانون جديد ، " قانون " بشارة " ، يتيح إقالة عضو كنيست من منصبه ، وهذا القانون يعني أنه لأول مرة في إسرائيل ، سيصبح بالإمكان إقالة عضو كنيست من منصبه ، وذلك بموجب قانون يتيح إقالة أعضاء كنيست من قبل أعضاء كنيست ، حيث يشمل الجزء الأول من إقتراح القانون سحب " كافة الإمتيازات المادية " من عضو الكنيست الذي يقدم ضده لائحة إتهام أو في حال عدم حضوره للمحاكمة ، وفي هذه الحالة يبقى عضو الكنيست بدون أية إمتيازات ، أما الجزء الثاني من الإقتراح فهو يتضمن إمكانية إقالة عضو كنيست في حالة عدم حضوره للمحاكمة ، وبموجب الإقتراح يمكن البدء بإجراء إقالته عن طريق جمع تواقيع عشرين عضو كنيست ، يتم تقضيمها للمستشار القضائي للحكومة ، وفي حال المصادقة على الإجراءات ، يقدم توصية إلى لجنة الدستور ، التي تصادق على ذلك بأغلبية ثلثي أعضائها على الأقل ، وفي حالة عرضها على التصويت تتطلب أصوات 80 عضو كنيست .
إذا على ضوء ذلك نحن أمام حملة منسقة ومنظمة رسمية وحزبية ، تستهدف إجراء تغيرات جذرية في التعامل مع المواطنين العرب عامة ، وقياداتهم الوطنية والقومية خاصة ، ولعل هذا ما نفهمه من أقوال رئيس الشاباك " يوفال ديسكن " ، حينما يقول " أن القوانين القائمة غير كافية بنظره لمواجهة القوى الوطنية في الداخل " ، إذا على ضوء هذه التطورات فإن مهمة التصدي لهذه الحملة التحريضية المسعورة ، هي مهمة كل القوى الوطنية والشريفة وجماهيرها الشعبية داخل الخط الأخضر بالأساس ، مدعومة ومساندة من أبناء شعبنا الفلسطيني في المواقع والمناطق الأخرى ، وكل قوى التقدم والتحرر والنضال والكفاح العربية والعالمية، لأن ما يجري على درجة عالية من الخطورة ، حيث تتضح زيف الديمقراطية الإسرائيلية ومراميها وأهدافها ، وهذا يجعلنا نتساءل عن جدوى المشاركة في البرلمان الإسرائيلي من قبل أهلنا وجماهيرنا وأحزابها في مناطق 1948 ؟ ، هذه المشاركة التي تستغل من أجل التغطية والتبرير للمارسات والإجراءات الإسرائيلية ، والتي لا تستهدف حقوقهم المدنية فقط ، بل الوطنية في الإطار السياسي ، وبالتالي لا بد من وقفة تقيمية شاملة أمام جدوى مثل هذه المشاركة ، والتي طالما نبهنا إلى مخاطرها وإنعكاساتها السلبية على أهلنا وجماهيرنا في مناطق 1948 .