جميل النمري
لا أجد نفسي في وضع يمكنني معه ان أعلق موافقا أو معارضا لما فعله د.عزمي بشارة، ذلك أن شخصيّة سياسية وفكرية من وزن ونوعية بشارة تعرف على الأرجح ماذا تفعل.
الحقيقة انني في البداية لم آخذ على محمل الجدّ حكاية الاستقالة وعدم العودة الى البلاد, ولم اتابع بكثير من الاهتمام الضجّة حول الموضوع وكتابات اصدقاء يناشدون بشارة عدم الاستقالة أو عدم مغادرة الداخل, وبدا لي الموضوع كله غامضا وغريبا؛ فلم يكن واردا أو منطقيا ابدا بالنسبة لي قضيّة الاستقالة أو ترك البلاد.
من جهة أخرى فإن الحظر القضائي على اي تصريحات تخص القضيّة المرفوعة ضدّ النائب العربي في الكنيست زاد الموقف غموضا، والبعض بدأ يهمس ان بشارة قرر عدم العودة إلى اسرائيل لأنه يشعر أن القيد يقترب من يديه, وأن السلطات الإسرائلية التي تتربص بهذا المناضل منذ زمن حصلت اخيرا على فرصتها للإيقاع به؛ اذ تم رصد اتصالات مع حزب الله وسورية خلال الحرب، وهذه تبرر تهمة "الاتصال مع العدو"، وهي جريمة عقوبتها عدّة سنوات من السجن، وحسب بعض المعلومات فإن جسد د. بشارة يعمل بكلية واحدة مزروعة, وسَجنه في وضعه هذا يعني حكما بالإعدام.
لكن قرار الاستقالة مطروح منذ أيلول 2006، وللأسباب التي كررها بشارة ورفاقه في التجمع، بل ان القضيّة المثارة كانت سببا اضافيا للتأجيل الذي قرر بشارة حسمه امس بالتوجه الى السفارة الاسرائيلية في القاهرة وتقديم الاستقالة رسميا. وحسب تصريحات بشارة فالمعركة القضائية ستدوم سنوات، وقد تقيد حركته في الدخول والخروج، ولا يريد ان يسمح باستغلال الحصانة ووجود "النائب" خارج البلاد للعب عليها من ذئاب الكنيست، وهو حر في اختيار الايقاع وقواعد اللعبة. ويقول د.بشارة "لدي وضعي الفكري والسياسي والأدبي والاجتماعي، ولا أمتثل لهذا الشكل من التحقيق وقواعد اللعبة.. أنا من يقرر".
مرّة أخرى لا نملك أن نعلق، فلسنا نحن من يستطيع ان يقول لرجل بمواصفات د.بشارة في قلب المعركة ما هي الخيارات الأنسب، لكننا نستطيع ان نعلق على جانب واحد هو التوجه لـ"تكريس وقت أكبر للكتابة الفكرية والأدبية" وفي ميل ظاهر لتوسيع حلبة الحضور الى الساحة الإقليمية العربية.
من المؤكد ان د. بشارة اصبح شخصية سياسية وفكرية بوزن عربي وإقليمي مميز، لكن كل تميز بشارة وخصوصيته الرائعة يتمثل بكونه مناضلا من عرب الـ48، والأهمّ في وزنه الفكري والسياسي انه يناطح مثقفي الصهاينة في عقر دارهم وبتفوق معرفي في الواقع الصهيوني والاسرائيلي تحرج الخصم كما لم يحدث من قبل. هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن ان نشير له والباقي بيد عزمي ورفاقه ونحن معهم في كل قرار يأخذونه.